14- الفصل الثالث عشر: عطر الأحباب

الرثاء هو واحد من أكبر أبواب الشعر العربى وأجملها. وهو يصل فى حجمه أو يكاد، إلى حجم المديح. وكلاهما تدعو إليه الضرورات الإنسانية والأجتماعية والعاطفية، وهى كثيرة، ولذلك - ولأن هذه الحاجات كثيرة وغزيرة.
- ولذلك فإن شعر الرثاء بدوره شعر كثير وغزير فى الشعر العربى.
- والرثاء هو مدح للناس بعد موتهم، ولذلك فإنه لا يرجى منه نفعُ للشاعر، فالميت قد رحل عن الدنيا، ولم يعد يملك للشاعر أو لغيره نفعاً ولا ضرراُ، والشاعر حين يرثى أحداً إنما يصدر فى رثائه له عن إرادة حُرّة، وعن عاطفة صادقه، ولذلك فإن رثاءه يأتى صادقاً حاراً متدفقاً، كما أن جلال الموت وصدمة الفقد التى يستشعرها الشاعر، تضفى على الرثاء غلالات من الشجو والشجن، تضاعف من سحره وجماله.
- وشعر الرثاء يحتاج من الشاعر إلى مقدرة شعرية عاليه، وإلى قدر وافر من رهافة الحس والوجدان، إذ أنه يعالج موضوعاً عاطفياً ووجدانياً، خالصاً.
- وما من شاعر عربى إلا وقد كتب فى الرثاء - قليلاً أو كثيراً، وعلا شأوه فى هذا الرثاء أو تواضع، فالشعراء يتفاوت قدر عطائهم فى هذا المجال تفاوتاً كبيراً. ولكن هناك شعراء تفوقوا فيه، سواء بكثرة هذا العطاء أو قلته، أو بمدى روعة مراثيهم وجمالها.
- من هؤلاء الشاعر العظيم أبو تمام فى عصره أو شاعر النيل حافظ إبراهيم فى عصرنا الحديث.
- وقد أوردنا نصا كاملاً لرائية ابى تمام الرائعة فى رثاء محمد بن حميد الطوسى، لبيان مدى عظمة أبى تمام، وروعة شعره فى هذا الميدان.
- وأما عن شاعر النيل حافظ إبراهيم، فهو القائل فى بيان مدى غزارة انتاجه فى هذا الباب من أبواب الشعر:
إذا    تناولــت    ديوانـى     لتقــرأه
وجدت  شعرا لمراثى  نصف ديوانى

أما عن جمال وقوة مراثيه، فهى تبدو واضحة من قوله فى الرثاء:
- فمن رثائه للشيخ محمد عبده:
فَوالَهفي    وَالقَبرُ     بَيني      وَبَينَهُ
عَلى   نَظرَةٍ     مِن   تِلكُمُ    النَظَراتِ
وَقَفتُ  عَلَيهِ  حاسِرَ  الرَأسِ   خاشِعاً
كَأَنّي    حِيالَ     القَبرِ   في   عَرَفاتِ

- ومن رثائه للزعيم الشاب، مصطفى كامل:
نَثَروا    عَلَيكَ     نَوادِيَ     الأَزهارِ
وَأَتَيتُ     أَنثُرُ      بَينَهُم     أَشعاري
زَينَ  الشَبابِ  وَزَينَ   طُلّابِ   العُلا
هَل  أَنتَ   بِالمُهَجِ   الحَزينَةِ   داري

- ويقول من قصيدة أخرى فى رثائه:
ثَلاثونَ  عاماً    بَل    ثَلاثونَ    دُرَّةً
بِجيدِ    اللَيالي    ساطِعاتٍ    زَواهِيا
سَتَشهَدُ   في  التاريخِ  أَنّكَ   لَم  تَكُن
فَتىً  مُفرَداً  بَل  كُنتَ  جَيشاً مُغازِيا

- وأما أنا - فقد كان للرثاء نصيب كبير من شعرى. ومن أوائل شعرى فى الرثاء، تلك القصيدة التى قلتها وأنا فى الثالثة عشر من عمرى، فى مدرسة حلوان الثانوية، فى رثاء زميلى محمد التميمى، والتى أشرت إليها من قبل، وكان مطلعها:

أيا  دمعُ  فاجرِ اليوم  حران  جارفاً
وخَففْ  عن  القلب  الذى  ناء   بالألمْ
وهيهات  أن  يخبوا  اللهيب   بأدمعٍ
ولو  كن بحراً بات  بالموج  يضطرم

- وقد اكتشفت فى نفسى مبكراً الميل إلى قول الرثاء، والمقدرة فيه، فكتبت فيه كثيراً، ونالت قصائدى فيه رضا وثناء من قرأوها أو سمعوها، وكثرت قصائدى فى الرثاء حتى أنها تبلغ فى ديوانى أكثر من عشرين قصيدة، تفاوتت أطوالها ما بين العشرين والثلاثين بيتاً، وبلغت فى قصيدة دمع على طلل أكثر من مائه بيت، كما تعددت أشخاص الذين رثيتهم وتباينت صفاتهم، بل إنى - فى قصيدة دمع على طلل - رثيت دولة الأتحاد السوفييتى - عند سقوطها وانهيارها.
ومن الذين رثيتهم عدد من أصدقائى المقربين، من الشعراء والكتاب، منهم: يوسف صديق، عبد الرحمن الخميسى، عبد الرحمن الشرقاوى، سعد مكاوى، محمد على ماهر. وإذ أنى أعتقد أن هذا التكريم الذى تقيمه لى وزارة الثقافة ووزيرها القدير اليوم، ليس من حقى أن أنفرد به وحدى، وأننى لا أستطيع أن أنسى فيه هؤلاء الأحباب، فإننى أغتنم فرصته لأذكرهم، وأحيى ذكراهم، بنشر القصائد التى قلتها فى رثائهم، والتى تعبر عن خواطرى ومشاعرى نحوهم تمام التعبير، وإلى القارئ الكريم، أقدم تلك القصائد:
  

*********************************************

1-  فى ذكرى الشاعر المجيد البطل يوسف صديق
ابن الشعب  (1)

الفَتَى الأسَمرُ فى  التُرْبِ  ثَوىْ(2)
وعلى    دَربِ  البطولاتِ   هَوَىْ
قـد  رَوَىْ  مِصــرَ  بغالــى  دَمِـهِ
وهوَ مْن  مَنهلِها   العَذْبِ   ارتوى
ما   جفا   يوسفُ  يومــا   شَعْبـهُ
ما عَصَىْ  الأوطانَ يوماً أو غَوَىْ
حَمَلَتْهُ   مِصــرُ   فى   أحضانِهـا
ومَضَتْ    تُرْسِلُ   أنَّاتِ   الجوى
هكــذا   العُشَّـــاقُ   فى  أحوالهـم
هكذا    تُتْلى    أساطيرُ     الهوى
..
يا فَتَى  الفِتْيانِ .. يا خَمْرَ  الوَغَى
يا  بَشيرَ النْصرِ  فى اليوِمِ  المجيدْ
كُنْتَ   كالإعصــارِ   فى   ثَوْرَتهِ
يَمْحَـقُ  الظُلْـمَ  ويجتـاحُ   القيــود
جُـــرأَةٌ    فى   الَحـقِّ   لايُوهِنُهــا
حَذَرُ  الموَتِ .. ولا خَوفُ  الوعيد
تَبْعَـــثُ  الآمــالَ   من   مَرْقَدِهــا
وهى  تَحدو  مَوكِبَ الفَجْرِ  الجديد
إنهـا   الإخـــلاصُ   فى   ذِرْوَتـهِ
عندما  يُصْبِــحُ  فى بَـأسِ  الحديـد
..
فـارسُ  الفِرسـان  طَـلاَّعُ  الــذُرا
باءَ  بالحَسْـرةِ  من  ظُلْـمِ  الرفــاقْ
والذى  أخَلــصَ  للشعْبِ  الهــوى
عَابَهُ  الإخلاصُ فى  دُنيا  النِفــاق
والذى   حَطَّــمَ   أغلالَ   الــورى
باتَ  فى  الأغلال مَشدودَ  الوِثـاق
واستحالَ   العيش   سِجناً   دائمــاً
ووجـــوداً   بائســاً  مُـرَّ  المَــذاَق
مِحْنـةٌ   لــم   يَلْقَهــــا   مْن   قَلبْـهِ
غيرَ  أيــوبَ. .وخَطبٌ   لايُطــاق
..
تَبْلُـغُ   الظُلمـةُ   والظُلمُ   المــدى
ويَبيتُ   العدلُ   مكسورَ  الجنَــاحْ
غيــر  أن  الفَجــرَ  يأتى  ظافــراً
وظــلامُ  الليلِ  يمحـوه  الصَبــاح
فبِنــاءُ   الحَقِّ   صَــرْحٌ   شَامِــخٌ
وبِنــاءُ  الزَيْـفِ  تــذورهُ  الريــاح
ليـسَ   كالأيـــامِ   قاضٍ   عَــادلٌ
لا .. ولا كالموْتِ  شافٍ  للجـراح
هكذا   تَجـرى   بأقدارِ   الــورَى
حِكمةُ   الدَّيان .. والحظُّ   المُتــاح
..
هــا هو  التاريـخُ   يتْلو   صَادِقــا
آيةَ   الحــقِّ  .. ويُبْــدى  .. ويُعيِـدْ
وعلى   الأفــــاقِ   تبْــدو   رايــةُ
فى  سِماءِ المجدِ  تعلو .. والخُلودْ
رايةُ  الإخـلاصِ  والصـدقِ  التى
حُجِبَتْ  بالغــدرِ  حينـاً  والجحـود
رايـة   الصِدِّيــق ..  لا   يُنكِــرُها
غير  بَـــاغٍ  يتَعامـى .. أو  حَقُـود
إنْ  تَكُنْ  غاَبتْ ..وأخفاها  الدُجى
ها هى  اليـومَ  الى  النورِ  تعــود
..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)  ديوان قصائد فى الحب والحزن.
(2)  ثوى: أى رقد.


*********************************************
 


2- وفى ذكرى الشاعر الفنان: عبد الرحمن الخميسى
رحيل البلبل (1)

هــذا  هو النيـلُ  فانْهَلْ  من  مَــواردهِ
وكفكفْ الدمعَ ..وأرحمْ قلبكَ  العانـى
وهذه  مِصــرُ قد  أرخَــتْ  غدائرهــا
واستقبلتــكَ   بأشــواقٍ    وأشجـــان
تَلقـى   فتاهــا الـذى   شاقَتْـهُ   فتنتُهــا
فأرسلَ الروحَ فى"أشواق إنسان"(2)
تلقــاك   فى  لوعة  العشــاق   ساكبـةً
دمـعَ  الجــوى بين  هطـالٍ  وهتــان
كانـت   تُبثُـكَ  فــوق   البُعدِ   لهفتهــا
فاقطُفْ ثِمارَ الهوى من قُرِبْها الدانى
..
فيِثـارةُ  الشِعـرِ  ناحـتْ من  فجيعتهــا
ورَّبةُ  الفَـنَّ  أجـرتْ دمعَهـا  القانــى
فَمَنْ  سِـواكَ يفيـضُ  الشعرُ  منسكبــاً
من  قلبـه .. نبــعَ أشــواقٍ  وألحـــان
ومَنْ  يَــرُدُّ القوافـى  بَعــد  غُربتهــــا
ويبعـثُ  الـروحَ فى  نَظــمٍ  وأوزان
ومَنْ  يَجــوبُ ريـاضَ  الفَـنِّ  مجتليــاً
بدائع  الـروضِ من  وردٍ  وريحــان
كأنـه    البلبــلُ   الغِرِّيــدُ    منطلقــــاً
على جَناحيــن  مِنْ  وجدٍ  وحرمــان
..
يا بُلبُل الروضِ ماللروضِ قد رَزَحتْ
أَفنانُـه  تحـتَ   أرزاءٍ   وأحــــــزان
ومـــا لأزهــاره  أودى الصقيـعُ  بهـا
فَصَوَّحَتْ فـوق  أعــوادٍ  وأغصــان
ومـا  لأطيـــارِهِ  عـن أيكهـا  رَحَلَــتْ
فأقفــرَ الأيــكُ  من  شــدوٍ  وتحنــان
كنا  وكنتَ .. وكان الـروضُ  مؤتِلقــاً
بناضــرٍ  من بديـع  الحُســنِ  فتـــان
وكانَ  عِشْـقُ  الهـوى والفَنِّ  يَجمُعنــا
وليـسَ  كالعشـــقِ من  زادٍ  لفنــــان
وفـى  الجوانــحِ  داءٌ   لا دواءَ   لــــه
من حُبِّ مصرَ ..ومن صَدٍ وهجـران
تقسو  علينا  ونَشقَى  فى  مَحَبَّتهــا
ونفتديهــا  بقلـبِ  العاشـقِ  الحانـــى
..
من  لى  بنَفحَةِ صَفوٍ  من  مَحَبَّتِنـا
كأنهــا   دفقـةٌ   من  عِطـرِ   بُستــان
وبسمةٍ من شغافِ القلب قد  بَرِئَتْ
بها  المشاعــرُ  من  زيِـفٍ  وبُهتــان
ونظرةٍ  كشعـاعِ  الشمسِ  مشرقـة
عَلى  الوجــودِ   بأضـواءٍ   وألــوان
وبهجـةٍ  من   حديـثٍ   لا   يُماثلـه
فى  حُسنْهِ  نظـمُ  ياقـوتٍ  ومَرجــان
كأنه  الجـدولُ  الرقراقُ  منسجمــا
أو  نشوة  الراحِ  فى أعطافِ  ظمآن
..
يا صاحبى وعَزيزُ الدَمع  مُنسكبٌ
والقولُ ينبعُ  من  روحى  ووجدانـى
بِمَنْ  أماتك ..لا  أهلٌ  ولا  وطــنٌ
سوى  مُحبيكَ  من صَحبٍ  وخِـــلاَن
الباذليـنَ  لكَ  الوُدَّ  الجميـلَ  وقــدْ
نأتْ  بكَ  الـدارُ عن  أهلٍ  وأوطــان
والعارفينَ  لك القدرَ  الجليلَ  فـإنْ
تخاذلَ  الدهرُ ..لم  يرضوا  بخُـذلان
ما خُنْتُ عهدَكَ يَوما..أوغَدرتُ بهِ
ولا  تَخَلَّيـتُ عن  حُبِّــى  وعِرفانــى
فأنتَ  فى القلبِ  شجوٌ  لا  يبارِحهُ
وأنتَ فى  القلب أنتَ..النازِحُ  الدانى
 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)   ديوان: قصائد فى الحب والحزن.
(2)   أشواق إنسان – اسم ديوان للشاعر عبد الرحمن الخميسى.




*********************************************

3-  وفى ذكرى الكاتب الفنان: سعد مكاوى
شهيد الغرام (1)

أيـــا  صاحبى  مَــرَّ عــامٌ  فعــامْ
وجُرحُ  الأسى  ساهِرٌ  لا  ينــامْ
فمــازالَ فى العين سَيْبُ الدمــوعِ
ومازالَ   فى القلبِ  وقعُ  السِهام
وكيــف  السُلُــوُّ ...  ومــا  بيننــا
أواصِـرُ  لا  يَعتريهــا  انفصــام
وعهـــــدُ   صَداقَتِنــا   والإخـــاء
وروضُ    مَحَبَّتِنــا    والوئــــام
حَفِظنـاهُ  من  طَعَنــاتِ  الجُحــود
وصُنّــاهُ  من  كَبواتِ  الخِصــام
ووجــدٌ   بمصــرَ   شَقِينـــا   بــهِ
وعِشْـقٌ  تَغَلْغَــلَ  حتى  العِظــام
حَملناهُ  فــــوقَ  نزيفِ  الجــراحِ
وخُضْنـا  به  غَمَـراِتِ  الظـــلام
فإن  كُنتَ  أدمـنت  خَمَر الأَســىَ
إلى أنْ  تجَرَّعتَ  كأسَ الحِمــام
فما  عِشْتَ  إلا  سجينَ  العفـــافِ
ومامِــتَّ   إلا  شهيدَ   الغــــرام
..
ويا  صَاحِبى  فلتَنَمْ  فى  ســـــلامٍ
كما  كان  قلبُكَ  يهوى  الســلام
يَحُفُّ  بمثـــواكَ  زهرُ  الحقـــولِ
وتأوى   إليه   وفودُ   الحَمـــــام
على  رَبوهٍ  يصطفيهـا  السكــونُ
وتحنو   عليها   ظِلالُ   الغمــام
تُبادِرُها  الشَمسُ  عِندَ  الشـــروقِ
ويَغْمُرها   البَدْرُ   عِند  التمــــام
وقفتُ  بها  فى  ضِرامِ  الغُـروب
وفى مُهجتى   لوعَةٌ   كالضِـرام
أنا جيكَ  فى  لحَظَاَتِ  الـــــوداعِ
وأبكيكَ   من  قَلبىَّ   المُستَهـــام
فيبــدو   خيالُــك   فى   ناظــرىَّ
كعهدكَ  فى  الحادثاتِ  الجِســام
يُطالعنى   من  خِــلالِ   الدمــوع
ذكىَّ  الملامحِ ... عَذْبَ  الكــلام
كأنـك  مازِلــــــتَ  مِلئَ   الحيــاةِ
وفوقَ  المماتِ ... وفوقَ  السِقـام
...
ويــا  سعـدُ  إن  فَرَّقتْنَـا  الَمنــونُ
فما  طابَ  لى  بعدَ  ذاكَ  المُقـام
ولا  غابَ  عن  خاطرى  لحظـةً
خيالُـك ... فى  يَقْظَـةٍ  أو  مَنــام
يُحُدِّثُنـى   عَنــكَ   مَــرُّ   النسيــم
وقَطْرُ  النَـدى .. وهَديلُ  اليمــام
وألقــــاكَ  فى  كُلِّ  لفـظٍ  جَميــلٍ
وفى  كلِّ  مّعنَىً  رفيـعِ  المقــام
وحيثُ  لقَيِــتُ  عَفاف  الضميــر
وحيثُ  لَقيـتُ  السجايا  العظــام
فَنَمْ   وادِعاً   فى   رحابِ  الغَفورِ
على  رَفرفٍ  لم  يَطأها  الأنــام
تُكَفكِــفُ  عَنكَ  جـــراحَ  الأســى
كواعبُ  مَقصورةٌ  فى  الخِيــام
فهيهــاتَ  يبلــغُ  مِنــكَ  الجُحــودُ
وهَيهــاتَ  يرقى  إليكَ  المَـــلام
 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)    ديوان: قصائد فى الحب والحزن.



 *********************************************
 
4-  وفى ذكرى الشاعر والكاتب المجيد - عبد الرحمن الشرقاوى
الشمس الغاربة (1)

رَحِيلُكَ أَمْ شمسٌ من الأُفْق  تَغْـرُبُ
وفَقْدُكَ أمْ  شَطْرٌ مِن القَلْبِ  يَذْهَبُ
أريحانةَ  الدنيــا  وفيـضَ  جَمالهــا
ونَفحَ  شَذاها...والحبيبُ  المُقَـرَّب
وأبهجُ  من  كانت به العيـنُ  تَلتْقـى
وأمتَعُ  مَنْ كانتْ لهُ الأُذنُ  تَطْرَبُ
وألطَفُ منْ مَرِّ النَسيمِ  إذا  سَــرَى
وأصْفَى من النبعِ الطَهُورِ وأعذَبُ
ءأبكيكَ  أمْ  أبكى المُروءَةَ  والنَـدى
وروحاًكنَشْرالمِسْكِ بَلْ هى أطْيَب
كــأنَّ سجايــاكَ الكريمـةَ   روضَـةٌ
جوانِبُهـــا  للنــاسِ ظِـلٌّ  ومَلْعَــب
خَمَائلهُــــا الفيحــاءُ تمتــدُّ  للــذُرى
وأعْراقُها من مَنهلِ الحُبِّ  تشرَب
....
أَطَــلاَّعَ   أجــواز  الثنايـا   وقاهــراً
مَخاطِرهَـا .. والفاتــحُ   المُتَوَثِّـب
وَروَّادَ   آفــاق   الحيـــاةِ   وكاشِفــــاً
حَقائقَ تخفىِ عن سِواكَ  وتُحجَـب
وحَمَّالَ  أثقالِ  الهُموِم  عن الـــورَى
وجِسمُك مُعْتَـلُّ .. وقَلبُـكَ  مُتْعَـــبُ
تُواجِهُ  كَيْــدَ  المُغرِضين  ونارَهُـــمْ
وتُرمَى بَسهم الجاحِدينَ وتُضـرَب
صَبوراًعلى الجُهّالِ تَرجُو صَلاحَهُمْ
وإن أنكروا الَحقَّ الصَريحَ وكذَّبوا
كما يَصبِرُ الطَوْدُ الجليلُ  إذا  عـــدا
عليهِ صَبِىُّ  أحمقُ الطَبع  مُغْضَب
....
أفـــارسَ فرســانِ البيـان ورافعــاً
صُروحاً يحارُ اللُبُّ منها  ويَعْجَبُ
روائِــعَ   فَـنٍ  ما    تـزالُ   مُطِلَّـةً
على الخُلد لويُرجى الخلودُ ويُطلب
تبوأتَ  عَرشَ الشِعرِ فارتِّد  للصِبا
فأنتَ  أميرُ الشِعرِ..والأُمُّ..  والأُبُ 
حَدَائقَ  من  وَرْدِ  الكلامِ  غَرَسْتها
تفيضُ  على  الدنيا عبيراً وتسكب
خلَعْـتَ  عليه  النُبْلَ  لفظـاً  وغايـةً
فصار له فى النبل  شَرْعٌ  ومَذهَب
إذا الشعر لم  يُحْىِّ المكارمَ  والعُلا
فلا  خيرَ  فيه حين  يُروَى  ويُكتب
ووجهتَ  للإسـلام  عيناً  بصيــرةً
تُفَتِّــــشُ    فى    آياتِــه    وتُنَقِّــبُ
فتبدو لنـا  منه  الفضيلـةُ  والهُــدى
وتظهـــرُ  آفــاقٌ  أجَـلُّ  وأرحـــب
وهبتَ  له  سُهدَ  الليالى  وجُهدَهــا
وَعزمَ  شهيدٍ  صَبُره ليسَ  يَنضُب
تُريُــد  به  وَجه  الكريـمِ  وعَفْــوَهُ
وترجــوَ به  وُدَّ  النبـىِّ  وتَخْطُــب
....
أيـا صاحبى  عَــزَّ  اللِقـاءُ  وشاقَنـى
إليــكَ  حنينى  والفــؤادُ  المُعَـــذَّب
وخاصـمَ   جَفْنَىَّ  الكــرى   وكأننـىِ
أبيتُ  على  نــارِ  الجَوَى  أتقلَّـــب
كـأنَّ  بعينى   ليلةً   ضاعَ   فّجْرُهــا
إذا  لاحَ  فيها  كوكبٌ  خَرَّ  كوكب
أُناجيكَ   فى  ليلِ  السُهادِ  ومُهجتـى
بلوعتِهــا   فى  أدمُعـى   تتســرَّب
فإن  تسكبْ  العينُ العصِيَّةُ  دمعَهــا
فكم كان  لى منكَ الصديقُ المُحبَب
وكم  كان لى  منكَ الرفيقُ  منُاضـلاً
وكم  كان لى منكَ الأنيسُ  المُهذَّب
وكنتُ  إذاَ  عَـزَّ  النصيـرُ  أجارَنــى
إلى  كَنَفٍ  مِنكَ  الحَفِىُّ  المُرَحِّــبُ
....
حَنانيكَ ... هذا الشِعرُ ذوبُ  مَشاعرٍ
يفيضُ  بها الوُدُّ  القديمُ  المُجَــرَّبُ
وحَقِكَ  ما  صــاغَ  اليَراعُ  حُروفَـهُ
ولكنهـــا  من  مُهجتـــى  تَتَصَبَــب
يجيشُ  بها  بحرُ  الصبابةِ  والهـوى
وأمواجُـهُ   تُملــى  علــىَّ  فأكْتُــب
فإن  يرَفَــعْ  الشِعــرُ  الرجالَ   فإنـهُّ
بذكرِكَ  يعلو  قَدرُه  حين  يُنْسَـــبُ
ولســـتُ  به  أبغى  الفَخَــارَ  وإنمــا
لروحِـكَ   فى   عَلياِئهــا   أتَقَــرَّبُ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)   ديوان: قصائد فى الحب والحزن.
 

 
*********************************************

5- فى ذكرى الشاعر والكاتب العظيم: محمد على ماهر
عهد الوداد  (1)

لَمِنْ  يُسْفرُ الصُبْــحُ  البَهِىُّ  ويُشْــرِقُ
وهذا  الضِيــاءُ  الباهِــرُ  المُتألِّــقُ
لَمِنْ  يَبْسِـطُ  الروضُ  البَهيـجُ  رِداءِهُ
وهذا الشَذَى الفَوَّاحُ من  أين  يَعْبِقُ
لَمِنْ  كُلُّ هذا البِشْر والأُنْسُ والرِضَى
وهذا  الجَمَـالُ  الساحِـرُ  المُتَدَفِّــق
..
تَنَاهــتْ  إلينــا  فى  وداعِــكَ   نفحـةٌ
تُفــئ  عليُنـا   بالعطــاءِ   وتُغْــدِقُ
كأنا  نزلنــا  روضةً  جادَهــا  الحَيّــا
ونَضَّرَها  ثَوبٌ من  الَزهرِ  مُونِق
يَفيـــضُ  علينــا  نُورُهــا  وعَبيرهُــا
ويَحْنــو  علينـا   ظلُّهــا  الُمَتَرفِّــق
مكثْنا  بها  صُبْحـاً  وظُهـراً  ومَغْربـاً
نُطَوِّفُ    فى    أرجائها    ونُحَلِّق
إلى   أنْ   شَهِدْنـــا    ليلـةً    ماهريـةً
يموجُ  بها  بحرٌ مِن  النورِ  مُشرِق
تَجَلَّى  مِنَ  الرَحمـنِ  لُطْـفٌ  وَرَحْمَـةٌ
وفاضَ  مِنَ القُرآنِ  حُسْنٌ  ورَونَقُ
كأنّـا   وأفــــواجُ    البلابــلِ   حولَنــا
تُغَنىِّ ..  ويُشجينا  اليَمامُ  المُطَـوَّق
وبَتنا  نَشـــاوَىْ  كَرْمَـةٍ  ما  تَجَسَّــدَتْ
ولكنْ  جَرى  مِنها الرحيقُ  المُعَتَّقُ
فأُقْسِـــمُ  مــا  مِنْ  ليلـةٍ  قَـدْ  شَهِدْتُهــا
كتِلـكَ  ...  ولا  مِـنْ  آيـةٍ  تَتَحَقَّــقُ
..
رعى  اللهُ  من  حُلوانَ  رُكناً  مُطهَّـرَاً
ونَضَّرَهُ  صَوْبٌ  مِنَ الغيثِ  مُغْدِقُ
وبيتاً  هو  الجَوزاءُ   مَجــداً   ورفْعَـةً
سِوى  أنه  أعلى  مَكاناً  وأعْـــرَقُ
دَعائِمه  الإيمـانُ  .. والعِلــمُ .. والتُقَى
وزِينَتُـه   فَــنُّ   رفيــعٌ    مُشَـــوِّق
أَقمنـا  به  عَهـــدَ   الــودادِ   وشمُلنــا
على  اليُسر  والعلَّات  لا  يَتفــرَّق
يُوَحِّدُنـــا  فى  الله  حُـبٌ  ورَحمـةٌ
ويَجمعُنا  فى  الحقِّ  عَهدٌ  ومَوْثِـــق
فلله  قلــبٌ  بين  جنبيــكَ  صــادقٌ
أحَــنُّ  من  الأُمِّ  الــرءَومِ  وأرفَـــق
ولله  مــا  أعــــلاكَ  نَفسـاً  وهِمَّـة
يُسابِقُهـــا  رَيْبُ  الزمــان  فتَسبِـــق
ولله  مــا  أزكــاكَ  عِلمـاً  وحِكمـةً
يُلاحِـقُ  عِلـــمَ  العارفيــن  ويَلْحَــق
ولله  ما  أشجــاكَ  قَـولاً  ومَنطِقــاً
إذا  طابَ  للأسماعِ  قَولٌ  ومنطِـــقُ
..
أماهِرُ ... هلُ  تجزيكَ  إلاَ مشاعرٌ
تفيــضٌ  ..  وإلا  عَبـــرةٌ  تترقــرَقُ
وكيف أُجازى  مَنْ أنارَ  بَصيرَتى
وَمن  كان  لى  منهُ  وَلِىُّ  ومُشفِــق
ومن كان  لى  منه  مُجيرٌ  وناصرٌ
ومَن كان لى منه الصديقُ  المُصَدَّق
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)        ديوان: قصائد فى الحب والحزن.


*********************************************


6-   فى ذكرى الشاعر الفذ: كمال عبد الحليم
شهيد النضال

سلامُ   عليكَ   أخى،   يا   كمــالُ
سلامُ   على  الشِعر  والشاعريه
سلامُ   عليك،   رفيق   النضـــال
سلامُ   على  الُصحبَة   العبقريه
...
تلــوحُ   لعينَىَّ   عَبـْرَ   الدمـــوعِ
مَشاهِـــدُ      أيامنـــا     الخاليـهْ
مَشاهِدُ   عهدِ   الصِبا   والشبــابِ
وأطيــافُ    أحلامِـه    الزاهيــةّ
...
وكنــا   صغيريـن   قد   وَثَّقَــــتْ
عُرى   اليُتْمِ   والحُزنِ  ما  بيننا
غَريبيـنِ  عنْ  أهلنِـا  والديـــــــارِ
تَشيــعُ    الكآبـةُ   من   حَولنــــا
...
وسُرعان   ما   حَمَلتنا    الحيــــاةُ
على   مَوجَـةِ   الزمن  الساحِــرِ
وأينَـعَ    فينا    ربيـعْ    الشبـــابِ
بفيــضٍ   من  الأمـل   الناضِــرِ
...
ورحـتُ   أُطالِـعُ   فيـك   النبــوغَ
وألمحُ    فيكَ    وميض   الذكـاءْ
وما كنتُ   أعـرِفُ   أن   الذكــاءَ
يجُرُّ   الشقاءَ    على    الأذكيـاء
...
وقادَكَ    هذا   النبــوغُ    الفريـــدْ
إلى    كَنَفِ    الثورةِ    الطالعِــهْ
لتُبصِر   مَطلعهــا    من    بعيْـــدٍ
وتشــدو     لأيامهــا     الرائعــه
...
بشِعْر   يُحَرّكُ    قلبَ   الجمـــادْ
يَهُزُّ النفــوسَ   ويُحىّ  المشاعــرْ
ويُنْبِتُ  من  القَفْرِ  زهرَ  الربيـعْ
ويُضْفى على الكون أحلامَ  شاعِرْ
...

ورُحْتَ  تَخوضُ غِمارَ  النضالِ
وترفَـــعُ     راياتِـه       العاليـــهْ
تقودُ الصُفوفَ،تخوضُ الحُتوفْ
تُصـــارِعُ   أمواجَهــــا    العاتيـه
...
تـزودُ  الشقــاءَ  عـن  البائسيــنْ
كأنهمـو  إخــوةُ  لـك  أو  أقربــاءْ
تُريــدُ   لهـــم    عاَلمـــاً   قائمــاً
على  الحقِ،  والعَدلِ،   والكبرياءْ
...
وسُرعانَ  ما اختطفتكَ  السجونُ
بأسوارِهــا    الجَهمــة    العاليـــهْ
بِوقْرِ   الحديدِ   على   مِعصميكَ
بِظُلمــةِ    أعماقِهـــــا    الداجيـــهْ
...
مِراراً   يُحيطُ   بك   الظالمــونَ
مــــراراً   تَحيـقُ   بـك   التَجرُبــه
كأنك   يونُـسُ   رَهْـنَ   البـــلاءِ
تُحيــطُ   بـه   الظُلمــةُ   المُرعبــه
...
إلى  أن  سقطتَ  صريعَ الشقـاءِ
شهيدَ  النضالِ ،  طعينَ  الجُحـــودْ
وأعَــرضَ  عنك  بريقُ  الحيــاةِ
فأعرضتَ عن كُلّ  ما فى  الوجودْ
...
وكُنتَ  الصديقَ، وكنتَ  الرفيـقْ
وكُنتَ   الأخ   العذبَ   للبائسيــنْ
تُكفكِـفُ   عنهم   دموعَ  الشقــاءْ
وتمسحُ   عنهـم   عَناءَ   السنيـــنْ
...
فلا  سكنَتْ   أنفُـسُ   الغاشميــنَ
ولا هجعتْ   أعيـن   المجرميـــنْ
ولا  أدركتهـمْ   ظِـلالُ   الســلامِ
ولا   رحمةُ     الله     بالعالميـــن
...
ويا   أيها   الشاعـر   العبقـــرىُّ
ويــا  أيهــا   العاشـقُ   المُستهــامْ
ويا   أســداً   أثخَنَتْـهُ   الجِـــراحُ
عليكَ   من  المُخلصيـن   الســلامْ 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق