الفصل الثامن: الشاعر محمود توفيق



رابعاً: الشاعر محمود توفيق.. أنا - أحد الشعراء المظلومين - سواء فى حياته كانسان، أو فى حقه كشاعر.
وعن حياتى كانسان أقول:  اننى ولدت فى قرية زاوية المصلوب التابعة لمركز الواسطى محافظة بنى سويف فى 21 يونيه سنة 1926، ووالدى هو الشاعر الضابط الوطنى محمد توفيق على، وقد توفيت والدتى - المرحومه سنية أحمد النجارى - وهى فى ريعان شبابها على إثر ولادتى، بسبب اصابتها بحمى النفاس إثر هذه الولاده. وتربيت يتيم الأم تحت رعاية والدى، ثم جدتى لأمى المرحومة السيدة لطيفة المغربى، أرملة الشيخ أحمد النجارى، الذى كان قاضياً شرعياً، وعالماً أزهرياً، وقطباً من أقطاب الصوفية. ثم توفى والدى وأنا فى العاشرة من عمرى وكان هو فى الرابعة والخمسين من العمر، ومنذ وفاته تولت شقيقتى الكبرى بهيجة - الشاعرة الزجالة - رعايتى حتى أكملت تعليمى وحصلت على ليسانس الحقوق سنة 1950. وشاركت أختى - غير الشقيقه - المرحومه عليه - زوجة المرحوم يوسف صديق - فى رعايتى خلال بعض الفترات من حياتى، كما شارك يوسف صديق فى رعايتى خلال تلك الفترات. وخلال هذه الفترات وقعت فى غرام ابنته الكبرى - سهير، وتزوجتها، وسعدت بحبها وحنانها ورعايتها لى منذ ذلك الحين، وحتى الآن، على السراء والضراء وحين البأس.
وبعد حصولى على ليسانس الحقوق، اشتغلت بالمحاماة، وافتتحت مكتباً لى فى موطنى، مدينة الواسطى، وعشت سعيداً هناك - مع زوجتى وحبيبتى سهير، حتى داهمتنا الأحداث بوقوع ثورة يوليو 52، ودخلت بعدها فى مرحلة عاصفة، ولعدة سنوات متوالية، عرفت فيها المعتقلات السياسية والسجون، والتشرد، وتعرضت أنا وأسرتى إلى الكثير من الآلام والمصاعب التى نتجت عن هذه الأوضاع.
اعتقلت فى معتقل جبل الطور، وعين شمس، وروض الفرج، وسجنت فى سجن مصر (قره ميدان)، والاستئناف، والقناطر، والقلعة، والواحات، وأسيوط، وأبى زعبل، والسجن الحربى. وكان ذلك بسبب انتمائى للحركة الديموقراطية للتحرر الوطنى - أكبر المنظمات الشيوعية، ولنشاطى فى الحركة الشيوعية، ولمعارضتى للأتجاه الديكتاتورى الذى انزلقت إليه ثورة يوليو، رغم أننى كنت من دعاه الثورة قبل قيامها، ومن أنصارها بعد ما قامت وتبوأت السلطة،. ثم لصلتى الوثيقة، الشخصية والعائلية بالمرحوم يوسف صديق، بطل تلك الثورة.
- بعد الافراج عنى بعفو صحى أصدره المرحوم جمال عبد الناصر، عُدت إلى الاشتغال بالمحاماه، ثم أصبحت مستشاراً قانونياً لمؤسسة السينما وبعض شركاتها، ثم بعد ذلك لمنظمة التضامن الافريقى الآسيوى. ثم صرت - ومازلت - أميناً عاماً للجنة المصرية للتضامن.
- قابلت فى آونة آخرى من حياتى، الرؤساء: محمد نجيب، وجمال عبد الناصر، وأنور السادات، وحسنى مبارك، وعلى المستوى العربى الرؤساء، اسماعيل الأزهرى - السودان، صدام حسين - العراق، ياسر عرفات - فلسطين، على عبدالله صالح - اليمن، كما قابلت عدداً كبيراً من المسئولين العرب والأجانب من خلال نشاطى العام، ثم من خلال عملى فى مجال التضامن الأفريقى الآسيوى.
- نشأت بينى وبين الكثيرين من الشعراء والكتاب، ورجال السينما والصحافة، علاقات صداقة ومودة أعتز بها كل الاعتزاز.
- كما أننى كما سبق القول: أعتقلت فى 15 يناير سنة 1953، يوم إلغاء الأحزاب. ومكثت ثلاثة أشهر معتقلا فى معتقلات - جبل الطور - وروض الفرج - والسجن الحربى، وكذلك قبض علىّ فى يوم 2 يناير سنة 1975 متهما بالتحريض على انتفاضه يناير 1975 وتم حبسى بسجن القلعة ثم بسجن ابى زعبل - وقدمت للمحاكمة أمام محكمة أمن الدولة العليا برئاسة المستشار محمد البخارى، وقد تم الافراج عنى وعن سائر المتهمين فى القضية بعد أن قضيت سته أشهر فى الحبس الإحتياطى.
- قدمت للمحاكمة مرتين:
الأولى فى سنة 1954 - فى عهد المرحوم الرئيس جمال عبد الناصر، أمام المحكمة العسكرية الشهيرة التى كان يرأسها الفريق محمد فؤاد الدجوى، وقد انتهت تلك المحاكمة بصدور الحكم علىّ أنا وزملائى المرحومين محمد عبد الجابر خلاف - المحامى، وصلاح حافظ - الكاتب والصحفى المعروف، والمناضل بدير النحاس ابن المنصورة، وصدر الحكم علىّ فى تلك المحاكمة بالأشغال الشاقة لمدة ثمانية سنوات، كما صدر على زملائى الآخرين بعقوبات مختلفة، وكانت تهمتنا هى قيادة تنظيم الحركة الديموقراطية للتحرر الوطنى - وكانت فى ذلك الوقت هى التنظيم الشيوعى الأكبر والأهم. وقد أمضيت من هذه المدة خمسة أعوام فى سجون قره ميدان والقناطر وجناح بالواحات، ثم أفرج عنى بقرار بالعفو الصحى، أصدره الرئيس جمال عبد الناصر بتدخل من المرحوم البطل يوسف صديق.
والثانية فى سنة 1975، فى عهد الرئيس الراحل أنور السادات، حيث قدمت للمحاكمة مع حوالى مائتين من المناضلين اليسارين، أمام محكمة جنايات أمن الدولة العليا برئاسة طيب الذكر، المستشار حكيم منير صليب فى قضية الهبة الشعبية، التى حدثت فى 18 ، 19 يناير سنة 1977، والتى سميت فى حينها "انتفاضة الخبز"، وكان يحلو للسادات أن يسميها: انتفاضة الحرامية، وقد أصدرت تلك المحكمة حكمها ببراءتى وبراءة كل المتهمين، وأسست هذا الحكم على أسباب رائعة، أكدت فيها أن القضية ملفقه، وأن المسئول عن وقوع الانتفاضة هو الدولة نفسها، لما ارتكبته من سياسات واجراءات خاطئة مصادمة لجماهير الشعب.
وقد رفض الرئيس أنور السادات التصديق على هذا الحكم، وأمر باعادة المحاكمة أمام دائرة أخرى من دوائر المحكمة، وجرت تلك المحاكمة الجديدة، واستمرت إلى ما بعد وفاة أنور السادات لمدة تقرب من العام، ثم أوقفت بقرار من الرئيس الجديد، حسنى مبارك، الذى كان يعرف أن القضية ملفقه، ولا أساس لها من الصحة. وكنت قد قابلت الرئيس أنور السادات قبل وفاته بقليل بناء على طلبه، وكنت هارباً ومختفيا بسبب اتهامى فى تلك القضية، ودار الحديث فى تلك المقابلة عن تلك القضية، فقلت له رأيى بصراحة، ونصحته - لمصلحته هو، بأن يأمر بسحب هذه القضية وحفظها، على أساس أن الرجوع عن الخطأ، إلى الحق، فضيلة - ولكنه للأسف، لم يوافق(1) على ذلك، واستمر الوضع على هذا، حتى توفى إلى رحمة مولاه فى حادث المنصه المعروف.
- كذلك، اضطررت للهروب والاختفاء والتشرد مرتين:
الأولى فى عهد المرحوم الرئيس جمال عبد الناصر- وذلك بعد هبة مارس سنة 1954، وعلى أثر هزيمتها، واستمرت تلك المحنة لمدة سنة كاملة، وانتهت حين قبض علىّ فى قضية "حدتو" السابق ذكرها، وانتقلت بذلك إلى مواجهة محنة أخرى.
والثانية  فى عهد المرحوم الرئيس أنور السادات، بمناسبة اتهامى فى أحداث 18 ، 19 يناير سنة 1977، وقد استمر اختفائى وهروبى وتشردى فى هذه المرة أكثر من عامين، حتى حدثت مقابلتى - أنا وعبد الرحمن الشرقاوى مع السادات، والتى انتهت باصداره الأمر بالكف عن ملاحقتى، وبعودتى إلى بيتى - وإلى زوجتى وأولادى.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)   تفاصيل هذه المقابلة، مذكورة فى كتابى: ذكريات شاعر مناضل، الجزء الثانى - أيام أخرى.


- وعن حياتى كشاعر:  أقول:
بدأ حبى للشعر بواقعة غريبة، ذلك أننى وأنا فى العاشرة من عمرى،
وبعد عودتى من قريتى - زاوية المصلوب حيث كنت بها لبضعة أيام لحضور مأتم أبى، ذهبت إلى مدرستى - صدق الوفاء الأبتدائية ببولاق، لأواصل تعليمى. وكانت شقيقتى بهيجه - الشاعرة، قد أعطتنى فرخ ورق سطرت عليه - بخطها أو خط والدى، وكلاهما كان خطاً واضحاً جميلاً، قصيدة من قصائده عنوانها "بهجة الدنيا"، كان مطلعها:

يا بهجـة  الدنيـــا   وتـاجَ   جلالهـــا
أيامُنـــا   بـك   أسعـــد   الأعيــــــادِ
فارقت   مصر  ومهجتى   لفراقهـــا
تَدمى،  وعُدت  لها  وقلبى   صـادى
فرجعـتُ  للفـردوس   بعــد   فراقــه
وبُعثـت  حيـاً  قبل  يـوم  معــــــادى
...
أخَطَرتَ فى  تلك  المروج  عواطراً
ومـلأت  قلبك  من  جَلال الــــوادى
والجو  رحمانُ  الفؤاد  كما  حَنَــــتْ
أم    جوانحهـــــــا    علـى     أولاد
...

وفى حصة اللغة العربية، التى كان يقف فيها الأستاذ عبد السلام، مدرس اللغة ليشرح لنا درساً فى المقرر، عَنّ لى أن أقرأ القصيدة، فبسطتها أمامى، وجعلت أقرأ فيها قراءة صامتة، وبلا صوت. كنت فى السنة الرابعة الابتدائية، وكانت قدراتى فى اللغة العربية مازالت متواضعة، ومع ذلك فقد أخذت اتفهم أبيات القصيدة وأنفعل بمعانيها - أو بما فهمته من تلك المعانى، كما بدأت أشعر بموسيقاها وإيقاعاتها وتداخل كل ذلك بحالة الحزن والشجن التى كانت تسيطر علىّ أصلاً بعد وفاة والدى، فبدأت دموعى تسيل.
ورأى الأستاذ عبد السلام دموعى ولاحظ حالتى، فاقترب منى متسائلاً وهو يمسك بالورقة ويلقى نظرة عليها، ثم سألنى: ما هذه الورقة؟ قلت له وأنا أنشج: هذه قصيدة من شعر والدى. واستغرب الرجل، وبدأ يقرأ فى القصيدة قراءة صامته، ثم ناولنى إياها، وقال لى: أقرأها على زملائك فى الفصل بصوت مسموع. وفعلت.
أخذت أقرأ القصيدة بصوت مسموع والزملاء يسمعون. واشتد تأثرى وتزايد بكائى وأنا أقرأ، تأثراً بالشعر، وبذكرى والدى، إلى أن انتهيت من قراءة القصيدة كلها. وكان بكائى قد تحول إلى نشيج.
كنت فى هذا الوقت الأول على فصلىّ السنة الرابعة الابتدائية – وفقاً لنتائج الاختبارات الشهرية التى كانت تعقدها المدرسة تحت إشراف ناظرها الأستاذ سعد علام، وكانت لى مكانة متميزة لدى كل التلاميذ والمدرسين، والأستاذ عبد السلام بصفة خاصة. وبلغ به التأثر مداه فترقرقت عيناه بالدموع، وكان قد عرف بوفاة والدى من قبل، وربت على رأسى وهو يعيد لى القصيدة قائلاً: لا تحزن يا محمود، لقد كان والدك شاعراً عظيماً، وسوف يعوضك الله عنه خيراً.
وكانت هذه أول مرة يدخل فيها الشعر إلى قلبى ووجدانى. ثم دخلنا امتحان الشهادة الابتدائية، ونجحت فيه بتفوق، وحصلت على مجموع كبير - بمقاييس تلك الأيام، وهو سبعة وسبعين ونصف فى المائه، وهو المجموع الذى أتاح لى أن أدخل مدرسة شبرا الثانوية، ثم بعدها مدرسة حلوان الثانوية، وبالقسم الداخلى، مجاناً - وبلا أى صعوبة. وفى المدرسة الثانوية، بدأت آمارات تفوقى فى اللغة العربية تتضح وتتأكد حتى كان أساتذتى فى حلوان - على قابيل، وأحمد محمود، يعاملوننى معاملة خاصة، وكان على قابيل يسمينى "عباس محمود العقاد"، كما بدأت تظهر على آمارات الانبهار بالشعر، والاندفاع نحوه. ومنذ السنة الثالثة الثانوية بدأت أحاول كتابة الشعر، ثم بدأت اكتبه فعلاً، بدأت ذلك بكتابة قصيدة فى رثاء زميل لنا - هو "محمد التميمى" الذى كان شاباً فى منتهى الصحة والعافية، ولكنه مرض فجأة ومات، وأقامت له المدرسة حفلة تأبين، ودعيت لإلقاء قصيدتى فى رثائه، أمام طلبة المدرسة، وناظرها، ومدرسيها، وأمام جمع من أهل الزميل المتوفى، وألقيتها فنالت استحسان الجميع، لدرجة أن البعض منهم كانت تسيل دموعه، والبعض أجهش بالبكاء. وقال أستاذ من أساتذتى، هو المرحوم الأستاذ إبراهيم عز الدين إسماعيل - الذى كان أستاذا للرياضيات، وأديباً كاتباً فى نفس الوقت، ومشرفاً على فريق التمثيل بالمدرسة. قال لبعض الحاضرين، مفسراً لأسباب حرارة قصيدتى وما تتشح به من الحزن: أصله يتيم.
- وكانت القصيدة تتضمن الأبيات الآتيه:

فياليت لى  مُلك  القريض  وعرشه
فأبكى بنوحى  جامد الصخر  والأجمْ
إذن   لبكت  صُم  الجلاميد   ضَحوةً
لقولى،  وهاج  النوح من  كان  يبتسم
وأغريتُ نور الشمس بالنوح  والبكا
وأسهدتُ   جفن  الليل  سُهداً  فلم   ينم

- وفى ندوة أقامتها المدرسة بعد ذلك لى لإلقاء قصيدتين من شعرى، احدهما قصيدة وطنية، والأخرى قصيدة فلسفيه عنوانها: ليلة العيد: جاء فيها:

ليلـة   العِيـــد   ما   لمثلى   عِيــــدُ
أنت  رَمزُ  الهنا  عَلى  الأبــــوابِ (1)
وأنـا  البائـــسُ   المَعنـىّ   ومثلــى
بائسُ ،   بائسُ ،   ليــومِ  الحســـــابِ
كل  يوم  عيدى،  وعيد   شقائـــــى
فى  ظلام  الدنـا،  ويوم  احتسابــــى
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
القصيدة منشورة فى ديوانى السادس والأخير: ألاليت شعرى.


وكانت القصيدتان تقابلان بالتصفيق من جانب التلاميذ والأساتذة الحاضرين، وقال ناظر المدرسة المرحوم الأستاذ حسنين رأفت موجهاً حديثه إلىّ: ليه التشاؤم ده، هو أنت قريت شعر المعرى؟
وبعد قليل من الوقت طلب منى الأستاذ إبراهيم عز الدين إسماعيل -
المشرف على فريق التمثيل أن أكتب بعض الأغانى لإدخالها فى مسرحية كان قد كتبها بعنوان أسلحة الكفاح. كانت ستقدم على مسرح حلوان، فى الحفلة التمثيلية التى ستقيمها المدرسة، فكتبت له ثلاثة قصائد هى، ما أنت يا ملاح (1)، إلا أعصفى يا ريح، نشيد الأمل، أدخلها فى مسرحيته، وقام بتلحينها زميل موسيقار، هو المرحوم رفعت عزت وصفى، وقدمت مع المسرحية على خشبة المسرح بحلوان.
- واستمرت كتابتى للشعر طيلة وجودى بمدرسة حلوان، ثم بمدرسة شبرا الثانوية، ثم بكلية الحقوق.
- وعلى مدى حياتى الطويلة لم أتوقف عن كتابة الشعر، وتجمع لى منه ستة دواوين هى دواوين أعياد، أنشودة للوادى المقدس، ما بعد الحب، قصائد فى الحب والحزن، دمعُ على طلل، ألا ليت شعرى، وقد نُشرت الدواوين الخمسة الأولى تباعاً فى كتب منفصلة، ثم نشرت بعد ذلك فى كتاب موحد عنوانه: مختارات من شعر محمود توفيق، ثم نشر لى مؤخراً ديوانى السادس والأخير: ألا ليت شعرى.
- وكانت كثير من قصائدى قد عرفت طريقها إلى النشر فى صحف ومجلات عديدة منها: مجلة أم درمان - مجلة الكفاح المشترك بين مصر والسودان، وكان يرأس تحريرها الأستاذ عبده دهب، والشاعر الكاتب المرحوم محمد خليل قاسم، ومجلة الطليعة التى كان يرأس تحريرها الأستاذ عبد الرحمن الشرقاوى، ومجلة الفجر الجديد التى كان يرأس تحريرها الأستاذ أحمد رشدى صالح، ومجلة الجماهير التى كان يرأس تحريرها الأستاذ محمود النبوى، ومجلة الملايين - التى كان يرأس تحريرها الأستاذان مأمون الشناوى وإبراهيم عبد الحليم، ومجلة المجلة التى كان يشرف عليها الأستاذ الروائى يحىّ حقى، ومجلة الكاتب التى كان يرأس تحريرها الأستاذان يوسف حلمى وسعد كامل. وعرفت قصائدى بعد ذلك طريقها إلى النشر فى صحف الأهرام، والأخبار، والمساء، وإلى مجلة الشعر التى كان يرأس تحريرها المرحوم الروائى خيرى شلبى، وإلى صحف ومجلات أخرى مصرية وعربية.


______________________________________
 
            (1)  والقصائد منشورة فى الجزء الثانى من ديوانى الأخير: ألا ليت شعرى.

- ومما يذكر فى هذا الصدد أننى لم أتقاضى أى أجر على نشر هذا الشعر كله، ولم أطلب شيئاً على نشره، ولم يعرض علىّ شئ من ذلك. فالشعر، فى رأيى هو، كالعمل السياسى، والوطنى، هى أشياء تسمو على أى جزاء مادى.
- إننى أعتز بكل ما قدمته من شعر على مدى حياتى كلها، وهو مطروح ومعروض على كل من يريد أن يقرأه، كما أنه أصبح الآن متاحاً للقراءة والسماع (بصوتى) على صفحات المدونة المسجلة بأسمى على صفحات الانترنت.
- ولست أنا الذى يمكننى الحكم على هذا الشعر، أو تقييمه، انما الأمر فى هذا التقييم متروك للإخوة النقاد وأساتذة الأدب والشعر، شريطة أن يكونوا مسلحين بالانصاف والتجرد ونقاء الضمير، ثم لقراء الشعر ومحبيه على امتداد الوطن المصرى والعربى، والعالمى.
على أننى أكتفى فى هذا المقام، بأن أقدم بعض المقتطفات من بعض
 قصائدى، لأتيح للقارئ الفرصة للتعرف على هذا الشعر، وتكوين 
فكرة - ولو بسيطة عنه - والأحساس بما يتوفر فيه من الخصائص، والمزايا، أو العيوب. 
مِصر يا مِصرهل تُرى عَقَّكِ  الأبناءُ   
أمْ  خانكِ   الزمـــانُ   الخئــــونُ!
أم  تُرى  كبــَّلتْ  خُطاكِ  المــقاديرُ
وأودى  بكِ  الشقـاءُ  المُهـــــينُ!
فتهاوَيتِ  من  عَناءً على  الـــــدربِ
وخارتْ  عَــــزيمةُ  لا  تهـــــونُ
...
مِصرُ.. يا مِصرُ..  يا قصيدَةَ  عِشـقٍ
صاغها  الوجدُ، والفؤادُ  الحزيـنُ
يا  عبيرَ  الأحبابِ،  يا  جَنَّةَ  الخُلْــدِ
تناهَــى   جَـــــمالُكِ   المكنـــــونُ
يا غَرامـى،  وفَرحَتــى،  وهنـــائــى
...    وشقائـى،  ولَوعتـى،  والحنــــينُ
مقتطفات ومختارات شعرى:

- أولاً: من الشعر الوطنى:
1- مصر يا مصر: (1)
مصرُ.. قُومى  مِن التَعاسةِ  والقَهــرِ
وهُبّـى،   فقــد   أتــاكِ  اليقــــينُ
ولقد   لَملَمَ   الظــــــــلامُ   حَواشيــهِ
وقــد  آذَنَ   الصبــاحُ   المُبــــينُ
وغَــداً تَرْفُليــن فى  حُللِ  النــــــورِ
وأزهـى   حُسْـنٍ   تـراه  العيـونُ
...
مِصرُ ..  إن  أجْدَبَ  الربيعُ   فإنــى
فى  إسارِ  الهوى  القديمِ  رَهيــنُ
وإذا  غَيَّــرَ  الزمـــانُ    المحُبيـــــن
فإنى  على  الـــــودادِ   أمــــــينُ
أنا  فى  الجَدْبِ   والرخَاءِ   صَفـــىُّ
وَوَفىُّ،    وصاحِبُ،   وخـديـــنُ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
      (1)  ديوان: ألا ليت شعرى.        

                                  
2- وأقول عن الأزمة التى تعانيها مصر فى حاضرها، وعن المخاض العسير الذى تمر به فى نضالها للخروج من أزمتها.
- من قصيدة: مصر فى المخاض: (1)
مصــرُ مازالـتْ  بخيـرٍ ..  لم تمُــتْ
مصر  لم  تيأسْ .. ولم  تُلق  السلاحْ
إننــى   أعـرفهــا   ..   أبصـرهـــــا
مثلما   أُبصـرُ   أنـوار   الصبـــــاح
إننـى    أفهمهـــا   ..    أسمعهـــــــا
مثلمـا    أسمـع    أنّــاتِ    الريـــاح
إننـى    أقرأُهـــا   ..    أحفظهـــــــا
مثلمـا   أحَفــظُ   آلام   الجـــــــراح!
...
مصـرُ  لم   تعكُفْ  على   مأْساتهـــا
مصر   لا   تبكى   على   أحزانهـــا
مصـرُ  فى   قلب  مخـاضٍ   هائـــل
يبعث   المكنـون   فى   وجدانهــــــا
مصـرُ   تستشـرف  صبحاً   رائعـــاً
ينفـضُ   الأَوهـامَ   عن   أجفانهـــــا
مصـرُ   تستقبــلُ   يومـاً   فاصــــلاً
يبعـثُ   الأمــوات   من   أكفانهـــــا
...
مصــرُ   لا  تلبَثُ   إلا  أن   تعـــودْ
حُرَّةً  ..  مرفوعة  الرأس  ..  أبيَـــهْ
تتحلَّـى     بملاييـــــن     الـــــورودْ
تتزيـــاً     بالثيــــــاب    العربيـــــه
تتغّنــى    للتحــــــدى    والصمـــود
وتُزيحُ   العــــــارَ   بالكف   القَويــة
تتجلَّى   تحت   أبصــار   الوجــــود
فى  سنا  المجــــد  ووشى  العبقريـة
...
نحــن   أكَّدنـــا    لهــا    عودتهـــــا
وسقينــا   العهــــــدَ   من   أيامِنـــــا
نحــن   أعددنـا   لهــا     عُدَّتهـــــــا
ورَصَفْنا    الــدربَ   من   أيامِنـــــا
نحــن   أوقدنـا   لهــا     جَذوتهـــــا
وشببنـــا    النـــــارَ   من   أحلامنــا
نحـنُ    شيّدنــا    لهـــــا    قلعتهــــا
ونشرنــا   الفجـــرَ  من   أعلامنــــا
...
مصرُ  حُبِّى  ..  لوعتى  ..  ظالمتى
فتنة   الشَّيب . .  وينبوع   الشبـــابْ
وقليــلٌ    فى    هواهــــا    شِقوتـى
وقليـلُ   مـا   ألاقـى   من   عَـــذاب
مصـر   أنشـــودةُ   عمــرى    كلِّــه
وشجى  روحى  ووجدانى  المُــذابْ
وهى  نـارى  ..  جَنّتـى  .. آخرتــى
ونصيبى   من   ثوابٍ   أو   عقــابْ
...
لا  تُراعى   يا  ابنتى  ..  لا  تحزنى
نحن   نرعى   مَوْلدَ   الفجر  الجديدْ
فــــــإذا   انداحــــت   على   آفاقِنـــا
ظلمـاتُ   الليـل   ترمى    بالوعيـــد
وإذا   هَّبــتْ   علينـــــا    شِقــــــوةُ
أو  تعالى   فوقنا   قصفُ   الرعــود
فاغْرسى   كعبيك   فى  هذا  الثرى
وارفعـى   رأسَـكِ   للأُفْقٍ   البعيــــد


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ديوان: أنشودة للوادى المقدس.



3- وفى قصيدة أوجهها إلى المنزلقين - وهم هواة الأنزلاق إلى الأخطاء البشعة والمواقف الطائشة - وهى قصيدة "إلى صديق".(1)
لا  تنزلـقْ  يا   صاحبــــــى
لا   تُخطـــئ    التقديــــــــر
لا  تندفعْ  للمأْزقِ  الخطيـــر
لا تحمل النفس على الهــوى
لاتشتر اللحظة .. بالمصيــر
لا    تفقــــــد    الصديـــــق
لا تُغمض العينين عن وعورة  الطريـــق
فحين يشتدُّ الصراع .. حين يعظُم  الخطرْ
وحين  تعلو  صيحةُ  الحذرْ
وحين  تنفضُّ  الجمــــــوعْ
وحيـن   يدعــو  الأَدعيــاءُ    للخضــــوع
فســـــوف   تلقانــى   أنــــا
وســــوف  تلقانــى   هنــــا
وســـــوف   أبقـى   دائمـــاً   إلـى   الأَبــــد
فى  القِلّـةِ  القليلـةِ  العَــــدَدْ
...
فطالمــا   وقفــتُ   فى  مواقــع   الغضـــب
وتحت  نيران  العَدو  واللهب
وقفت  تحت  العْبءِ  لا  أحيدْ
فكاهلى  قد  صُبَّ  من  حديد


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) قصيدة إلى صديق، منشورة فى ديوان "أنشودة للوادى المقدس".



4- وعن اجتياز مصر مرحلة الخطر، والخروج من محنتها، وانتقالها إلى مرحلة البُرء والشفاء من جراحها، أقول فى قصيدة لى اسمها "الأسد" الذى أرمز به إلى مصر فى قوتها وشجاعتها ونبلها:   (1)
عندمـــا  يسقُـطُ  ليـثُ  الغـابِ  تختــالُ  الضِبـــاعْ
ويكونُ  الذئبُ  فيـهِ  ..  صاحـبَ  الأَمرِ  المطــاع
ويُلِّـحُ   النَمِـرُ   المفتـــونُ   فى   سفـكِ   الدمــــاءْ
ويَعُـمُّ   الغـــــدرُ   والقســـــوةُ   فيـه   والشقـــــاء

عندهــا   ينفــــرط   العِقــدَ  وتختـلُّ   الأمـــــورْ
فى غيــــابِ  الساعـدِ  الجبـارِ والقلـب   الكبيـــر
.....
فى  فـؤادِ  الليث  من غـدرِ  العِـدا  جُـرحٌ  دفيــنْ
وجــــراحٌ  داميــاتٌ  مـن   جُحــودِ   الأَقربيـــن
تَهجـعُ  العيـنُ  ولا  يهجَـعُ  فى  القلـب  الأَنيــــن
.....
طـــالَ  ليـلُ  السُقــمِ  والــداءُ  مقيـمٌ  لا  يــــزال
وأمانـى  العيش  كالأَوهـام .. أو  طيف  الخيــال
والـردى  يظهـر  كالأَشبــاح  فى  قلب  الظـــلامْ
لعيـــــونٍ   شَفَّهــا  السُهـــدُ  وجافاهــا   المنــــام
أيهـا  الكــون  الـذى  ضَــنَّ  بأســرار  الوجـــودْ
أنا  ذا  قبضـةُ  تُـــربٍ  لثـرى  الأَرض  تعــــود
.....
حين  يأْتــى  البـُرءْ  يهمـى  مثل  أنـداء  الربيــعْ
أو  كمــا   تبتــدِرُ   العيــنُ   بحبـــاتِ   الدمـــوع
أو  كما  يَطْلُعُ  نــور  الفجــر  من  جُنح  الظـــلام
أو  كما  يسطَـعُ  ومضُ  البرقِ  فى  قلب  الغمــام
أو  كمــا  يُولـــدُ  نجــمٌ  ..  يتــراءى  من  بعيــــدْ
أو  كمــا  ينفلِــقُ  الحَــبُّ  عن  النبـتِ  الجديـــد !
.....
حيـن  يأْتـى  البُــرءُ  ..  تستيقـظُ  أشـواقُ  الحيــاه
وتمــوجُ  الأَرضُ  بالـوردِ  ..  وقـد  رفَّ  شـــذاه 
ويَلـــوحُ   الكـــونُ   للكائِــنِ   فى   أبهــى   رؤاه
.....
حين  جـاء  البُـرءُ  راحَ  الليثُ  فى  نـومٍ  عميــقْ
مثلمـا  يُطبـِقُ  مـوجُ  البحـرِ  من  حـول  غريـــق
نومـةً  ..  تمحــو  عـن  الكائــن  آثـار  الزمـــــنْ
وتُــــداوى   عِلَّـة   الـــروحِ   وأسقـــامِ   البــــدن
نَومَــةً  ..  تَفصِـلُ  ما  بين  وجــودٍ  ..  ووجــودْ
عندمـــا  يخطــو  بهـا  الكائــنُ  للبعـثِ  الجديــــد 
.....
نهــضَ  الليـثُ  ..  وقـد  لاحتْ  تباشيـرُ  الصبــاح
نشِطـاً  كالريـح  إن  هَبـتْ  على  الأرضِ  البَــراح
ومضــى  يَستَبِــقُ  الفجــر .. إلى  الأَفــق  البعيــــد
مفعَمـاً  بالبـأْسِ  ..  والنشـوةِ  ..  والعـزمِ  الجديـــد
مُرسِلاً  فوقَ  الأَعالى  ..  صَيحة  الليثِ  الجســور
فَعَلــتْ  فى  الغابــة  العــذراء  أصـداءُ  الزئيـــــر


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 
          (1)  قصيدة الأسد – ديوان: ما بعد الحب.



وفى مدح الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام  (1)
 - أقول:
فى  شذا   نجواك  تنهلُّ   المدامــــعْ
وتَـــــــذوب  النفــسُ  من  أشواقهـــا
ويظلُّ  الطرفُ  يهمى  وهو  خاشع
من  وميض  الشمس  فى  إشراقهـــا
....
يقصُر  الشِعرُ  ..  ويرتجُّ   اللســـان
كلمـا  حاولت  أن   أسمو   لذاتـــــك
يـا  رسـول   الله   أعيانى   البيــــان   
فأعرنــى   نفحــةً   من   نفحاتـــــك
...
يـا  يتيماً   لم   يذق   طعم  الحنـــانْ
وفقيــراً   قد   جفـــاه   المُترفـــــون
فغــدا   للنـاسِ   فى   كل   زمـــــان
الأَبَ   المعطاءَ  ..  والأَم   الحنــونْ
...
قلبك  الرحبُ  الذى   ضمَّ   الخليقــه
صاغـه   الرحمــنُ   من   رحْمتِــــهِ
وهــداه   نحــو   أنـــوار   الحقيقـــه
بشُعـــاعٍ    من    سنــــا    حكمتِـــهِ
...
رحمـةٌ   تُهــدى   لكل   الكائنـــــاتْ
وخِـلالٌ    كالظــلالٍ    الوارفـــــاتْ
وربيـــعٌ   من    حنـــانٍ    غامـــــرٍ
تتجلــى    فيـه    كل    المكرمـــات
...
ومن   الرحمــة   بــذلٌ   وعطـــــاءْ
ومن   الرحمـة   عـــدلٌ   وإخـــــاء
ومن   الرحمــة   سيــفٌ    قاطـــــعٌ
يمحقُ   الظلمَ   ويحمى   الضعفـــاء


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)  قصيدة فى نجوى الرسول – ديوان: ما بعد الحب.



6- وفى الديوان قصائد كثيرة فى شتى الأغراض والموضوعات الأخرى، ومنها المراثى التى تحتل جزءاً كبيراً منه، وسوف يجد القارئ الكثير منها فى موضع آخر من هذا الكتاب.
7- وأخيراً وليس آخراً، فإن فى الديوان قصائد كثيرة فى باب الغزل والغراميات، نختار منها نمودجين:
 - الأول قصيدة بعنوان: هو الحب والحزن:  (1)
هو  الحُبُّ   والحزْنُ   لو   تعلميـــنْ
وجُرحُ   الفؤادِ  ..  وسُهدُ  الجفـــونْ

تناوبنـى   الهجــرُ  ثـم   الوصـــــالُ
وبَرْقُ  الرجاءِ ..  وعَصفُ الظنــونْ
فأصبحتُ  فى  حيْرتى   كالغريــــقِ
وأمسيتُ   فى   وَحشتى   كالسجيــن 
وأيـن   المَفّــــَرُّ   وفى   مُهجَتــــــى
سَعيرٌ .. وفى  النفسِ  جُرحٌ   دفيـــن
ولا   مُشْتَكــىً   مِنــكِ   إلا  إليـــــكِ
فهل  تسمعين  ..  وهل   تُنصِفِيـــن؟
...
مَضَتُ  فَرْحَةُ  الحُّبَّ  نَهبَ  الريــاحِ
ولــم  يَبـْقَ  إلا الجــوى  والحنيـــــنْ
تَولَّـتْ   كحُلْـم   طـــواه   الزمـــــانُ
ورانَ  عليـه  ضَبــابُ  السنيـــــــــن
تَقطَّــعَ    مـا   بيننــا    وانقضـــــتْ
عُهودُ   الهوى  ..  وزمانُ   الجنـون
وأصبــحَ   روضُ   المُنى   خاويـــاً
يفيضُ   له   الدمعُ   فى  كل   حيــن
كصحـراءَ   تَصْفِرْ   فيها   الريـــاحُ
وتَزْفـــِرُ   أغوارهُـــا    بالأنيـــــــن
كأنْ   لم   نَعِشْ   صَبَواتِ   الغــرام
ولم   نَدْرِ   ما   سِحْـرَهُ   والفتُــــون
ولا   لهفــةً    لالتقــــاءِ    الشفـــــاهِ
ولا   لوعةً   فى   التقـاءِ   العيــــون
....
هو  الحبُّ  والحزنُ   لو  تعرفيـــــنْ
وعصفُ   النوَى   بالفؤادِ  الطَعيـــن
وهيهـاتَ  أن  تعرفى   ما  لَقيــــــتُ
ومايصَنـعُ   الهجـرُ   بالعاشقيـــــــن
يهيـــــــبُ  بــىَّ   أن   أستَفيـــــــــقَ
وتأمُرُنى   النفسُ   أن   أستكيـــــــن
فهـــلْ  يملِكُ   الصَبُّ   إلا  السُهـــادَ
وشَجوَ  الفؤادِ  ..  ودَمعَ  العيــــون!


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ديوان: قصائد فى الحب والحزن.



والثانى: هو مقتطفات من قصيدة طويلة عنوانها: ثلاثيات فى الحب(1) ،وضعت فيها كل ما فى جعبتى من أفكار ومشاعر، فى موضوع الحب.
- أقول:

وأمـا   انـا  ..  فشربـْتُ   الرحيِــــقَ
ولاح    لعينىَّ    سِحــرُ    الشَفـــــقْ
وأينعَ   فى   القلب   وردُ   الربيــــعِ
وبــــــاحَ      بِفِتْنَتِـــهِ      والعَبــــقْ
كأنـى   أُطالـع    ســرَّ   الحيــــــــاةِ
ويغمُرنـــى    نــــــورُه    والألَـــق!
....
دعانى  الهـوى   فأجبتُ  النــــــــداء
وحَلَّقتُ   بالشوق   صَوْبَ   القَمَــــرْ
وأسلمتُ   قلبى   لعصفِ  الريـــــاحِ
وأوصدتُ  سمعى  لصوتِ   الحــذر
فقد  كنتُ   أعرف  أن   الغــــــــرامَ
قضـاءٌ  ..  وأن   المنايــا   قـــــــدرْ
....
أتعـــرِفُ   يـــــــا   فاتِنـــى   أننـــى
عَشقتُـكَ   من  قبــلِ   أن   نلتقــــى!
وقَبْلَ  ابتسامـةِ   ثَغْــــــرِ   الزمـــان
عن  الصُبحِ   من  وجهكَ   المُشرِق
ومن  قبلِ  أن  تستبى   ناظـــــــرىَّ
مَلاحــةُ     جِيـــــدِك     والمفــــرِق
....
عشقتُكَ   فى   الوردةِ   الناضــــــرة
وفى   النِسمـةِ   العذبـة   الحائـــــرة
وفى  بَسماتِ  الصباح  الطـــــروب    
وفى   رَوعـةِ    الليلـة    المُقمـــــرة
وفى   لوعــةِ   البُلبُل   المُسْتهــــــامِ
ترنَّـم   فى   الروضـةِ    الزاهـــــرة
....
بعينيكَ   خِصْبُ   زمانِ  الشبـــــابِ
ومَيْعَــةُ     أيامِــــــهِ     الواعــــــدةْ
وأضواءُ   فَجرٍ   بَدتْ  من  بعيــــــدٍ
تُطِــــــلُّ  على   القِمَّـةِ   الصاعــــدة
وعُمْقُ  الدُجى  .. وجَلالُ  المُحيـــطِ
وفَيــضٌ  من  الجَــذوَةِ   الخالـــــــدة
....
أتعــرف   ان   فـــــؤاد   اُلمحِـــــبِّ
أرَقُّ   من   الزهــــــرة   الواجفــــةْ
وأوهـــنْ    خفقـــات     النسِيـــــــمِ
تَنَهَّــــــدَ    فى    الليلـة    الصائفـــة
تطيــر   بـه   نفحـــاتُ   الحنــــــان
وتأسِـــــــرُهُ     لمسـةُ     العاطفــــة
...
يَهيبُ   بىَّ   العقـلُ   أن   أستفيــــقَ
وأن  أستَجيـبَ   لداعـى   النجــــــاةْ
ولكـنِّ    بـى     لهفـةً    للجمـــــــال
وبــى   ظمـأٌ   لرحيــقِ   الحيـــــــاة
وبى   وَلَـهٌ   بوميــضِ   العيـــــــون
وبَرْدِ  الثنايـــا ..  ووردِ  الشفـــــــاه
...
ولـم   أرَ   كالحُــبِّ   مِن   فَرْحَـــــةٍ
ولم  أرَ   كالهجـر  مُــرَّ  المَــــــذاقْ
وما   فرَحةُ   العيشِ   إلا  الوصــالُ
وما  وَحْشَةُ  الموتِ   إلا  الفـــــراقِ
وما   الوصلُ   إلا  اتحادُ   القلـــوبِ
ومــا  هـو  فى   قُبلـةٍ   أو  عِنـــــاق
...
فوا   شجنــاً   إذ   تولى   الزمـــــانُ
وولى  الشبابُ ..  وحَـلَّ  المَشيــــبْ
ووا  حَزَناً   من   جُحودِ  الصديـــقِ
وغدرِ  الرفيقِ ..  وهجرِ  الحبيــــب
ووآألَماً   من   نَزيفِ   الجِــــــــراحِ
وقَلـــبٍ   تَحيّــَر   فيـه   الطبيــــــب
...
قطعنا   إلى   الحُبِّ   كُلَّ  القِفــارِ ..
وجُبنــا   إليه   البحــارَ   القَصِيَّـــــةْ
سلكنا   إليـه   دُرُوبَ   الجبــــــالِ ..
بلغنـــا   بـه   القِـــــــمَ    العسجديــة
نزلنا   إليه   الشُطوطَ   الحِســـانَ ..
حللنــــا   بـه   الجنَّــــــةَ  السُندسيــة
...
أقمنا   به   فى   ظِلالِ   الكـــرُومِ ..  
وخُضنا   به   غمــراتِ    الهُمــــومْ
فما   نالَ   منا   زمانُ   العــــذابِ ..
ولا   غيَّرتْنــــا   ليالــــى   النَعيـــــم
ويأتى  الزمانُ .. ويمضى  الزمــانُ
ومازالَ    فينا   الضِـرامُ   القديـــــم
...
سلامٌ  على  الحُبِّ   فى   الأوليـنْ ..
سلامٌ   على   الحُبِّ   فى  الآخريــنْ
سلامٌ  على   خَفْقِهِ   فى  الضُلـوعِ ..
سـلامٌ    على    وَمْضِـهِ    العيـــون
سلامٌ    تَفيضُ    له    المُقلتـــــان ..
ويطغى  على   النفسِ   شَجوٌ   دفين
...
سلامٌ   على   الحُبِّ   ما   رتَّلتْـــهُ..
قلــوبُ   المحبيــن   بين   الضلــوعْ
وما   غَــــرَّدَ   البلبلُ   المسْتَهــــــامُ
وأينعَ   فى  الروضِ   زَهرُ   الربيع
على   ذِكْرِهِ   يَشربُ   العاشقـــــون
وإن   مَزجــــوا   كأسـه   بالدمــوع


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)  قصيدة: ثلاثيات فى الحب - ديوان: قصائد فى الحب والحزن.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق