الفصل السادس: الشاعر يوسف صديق



ثانيا: يوسف صديق - ثانى الشعراء المظلومين فى عصرنا (1)
وهو الشاعر الضابط الوطنى بطل ثورة يوليو ومنقذها من الفشل والهزيمة.
- وعن حياته، أنه ولد فى قرية زاوية المصلوب مركز الواسطى مديرية بنى سويف يوم 3 يناير سنة 1910، ووالده هو اليوزباشى منصور يوسف صديق، وكان ضابطاً بالجيش المصرى بالسودان، حيث أصابه المرض نتيجة للاعياء الذى حل به بسبب العمل الشاق والظروف الصحية القاسية، وقد مات بعد مولد يوسف بعام واحد - ووالدته هى الحاجة سكينة أحمد على وهى شقيقة الشاعر الضابط محمد توفيق على.
نشأ يوسف يتيماً فى كنف والدته، وفى رعاية خاله محمد توفيق على الذى كان ولى أمره. وتعلم فى مدارس الواسطى وبنى سويف، حتى نال شهادة الثانوية، ثم التحق بالمدرسة الحربية - بمساعدة خاله وولى أمره، وتخرج ضابطاً فى سنة 1932.
وقد عاش يوسف حياة شاقه فى الجيش، ولكنه احتل فيه موقعاً مرموقاً كاستاذ للتاريخ العسكرى فى الكلية الحربية، وشارك بدور بارز فى حرب فلسطين، حيث كانت الوحدة التى يقودها، هى التى وصلت إلى أقرب موقع من تل أبيب - عاصمة الكيان الصهيونى. وفى فلسطين أصيب بشرخ فى رئته اليسرى ظل يعانى منه باقى أيام حياته.
انضم يوسف إلى تنظيم الضباط الأحرار، وشارك فى أحداث ثورة يوليو بدور بطولى، كان هو الذى أنقذ مصير الثورة من الضياع، واختير عضوا بمجلس قيادة الثورة - باجماع أصوات اعضاء المجلس، تقديراً لشجاعته وبطولته، ولخِصاله ومزياه. غير أن الخلافات ما لبثت أن دبت بينه وبين زملائه فى مجلس القيادة بسبب انحيازه هو إلى التيار المنادى بالديموقراطية والحريات، وانحياز معظم الآخرين إلى التيار الآخر، تيار الدكتاتورية العسكرية والحكم المطلق، وما لبث الخلاف أن تطور سريعاً، وتحول إلى اضطهاد سافر من جانبهم له، عانى منه الأمرين، واضطر إلى الاستقالة من مجلس قيادة الثورة، ومن الجيش، وواجه سنوات من الاضطهاد والعدوان، وتعرض للنفى داخل مصر، ثم خارجها إلى سويسرا، ثم إلى لبنان، وتعرض لدخول سجن الأجانب، ثم السجن الحربى، ثم لتحديد الأقامة فى قريته زاوية المصلوب، ثم فى منزله بالقاهرة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(        (1)    توفى يوسف فى 31 مارس سنة 1975، ولم يطبع ديوانه إلا بعد وفاته بعدة سنوات  فى يناير 1999.


وقد أدت تلك الأحداث إلى التأثير على حالته الصحية، فعانى أمراضاً شديدة خطيرة حتى توفى فى 31 مارس سنة 1975.
وبناء على كفاح ابنته الكبرى سهير - زوجتى - أمر الرئيس الراحل بتشييع جنازة يوسف، فى جنازة عسكرية، فشيع فى جنازة مهيبة، شاركت فيها القوات المسلحة، كما شاركت فيها جموع حاشدة من المواطنين.
وكان الرئيس السادات قد أمر باخراجى من السجن، للمشاركة فى تشييع الجنازة، حيث حضرتها، ثم أعدت إلى السجن (أبى زعبل) مرة أخرى.
وقد دفن يوسف صديق يوم 1 ابريل 1975 بمدافن البساتين بالقلعة، وعلى قبره وضعت لوحة من الرخام فيها أبيات للشاعر كمال عبد الحليم تقول:

ها   هنا    يَرقُد   من    حررنــــــا
وافتـــدى   مصـر  بقلــب  ينــــزفُ
ها   هنـا   شاعرنــا،    فارسنــــــا
رافع   الرايـات  حُمــراً،  يوســــف
فإلى   يــوم   حِســابٍ   صـــــادقٍ
سيظــل   الشعــب   عينــاً   تــذرف

هذا عن يوسف صديق الإنسان، فماذا عن يوسف صديق الشاعر:
- منذ مطلع شبابه، اهتم يوسف بالشعر قارئا. وذلك فى معية خاله وولى أمره، الشاعر محمد توفيق، حتى تكونت لديه ملكة الشعر، وبدأ يمارس قوله وهو طالب فى الكلية الحربية، ويلقيه على زملائه بها فى المناسبات المختلفة، حتى لُقب بشاعر الكلية الحربية. واستمر يوسف، وهو ضابط بالجيش يكتب الشعر ويلقيه على زملائه الضباط فى المناسبات، حتى عرف عنه أنه شاعر الجيش، حتى قيام ثورة يوليو، التى فجرت أحداثها، وعلاقته بتلك الأحداث، ينابيع الشعر الكامنة فيه، فكتب العديد من القصائد فى تلك الأحداث، وفى أثرها عليه. وبدأ فى نشر شعره فى مرحلة متأخرة، حيث نشرت له صحيفة الشعب العديد من القصائد السياسية والوطنية.
وقد جمع يوسف العديد من قصائده وأعدها فى ديوان لنشره، وسلم مخطوطة الديوان إلى الأستاذ إبراهيم عبد الحليم - الكاتب وشقيق الشاعر كمال عبد الحليم، وصاحب دار الفكر للنشر، لطبعها، وكان إبراهيم من وجوه اليسار، فتعرض - كالعادة - لغزوة بوليسية على الدار، تم فيها القبض عليه، والاستيلاء على مخطوطة ديوان يوسف، حيث اختفت تماماً منذ ذلك الحين. وبعد وفاة يوسف، بعد مرضه الطويل، حاول أبناؤه، ومنهم اللواء شرطة حسين استرداد المخطوطة من جهة البوليس المعنية، وباءت المحاولة بالفشل، وظل اللواء حسين يحاول من جديد جمع أشعار والده، وبصعوبة بالغة، تمكن من تجميع عدد من القصائد والمقطوعات، ثم دفع بها إلى الطبع والنشر، فى ديوان صغير اسماه "ضعوا الأقلام" وهو عنوان إحدى قصائد الديوان، وهذا هو كل ما بقى لدينا من شعر يوسف صديق، استكمالاً لما لدينا من آثار بطولته وسيرته العطرة.
وها أنا أقدم جانباً من تلك الأشعار التى نشرت فى هذا الديوان، دليلاً على شاعريته الفذة، وعلى بطولته ووطنيته الصادقة:
- من ديوان ضعوا الأقلام، للشاعر البطل يوسف صديق.         (1)
- يقول فى مقطوعة عنوانها "فى استقبال الصديق الثالث" بمناسبة مولد حفيدة "يوسف صديق" ابنى من كريمته سهير يوسف - وكان يوسف وقتها سجيناً فى السجن الحربى، بينما كنت أنا سجينا فى سجن آخر، هو سجن القناطر - وذلك فى يناير سنة 1955:

اقبلت  تسعى  من  الظلماء  للنــــور
فاسلمتــك     دياجيــــر   لديجــــور
اشرق  بنــورك  فالأيــام  حالكــــــة
من هول ما  اقترفت  فينا من الجور
ان  الرسالة  فى  اسمائنـا  لمعـــــت
فحملتنـا   ثــواب  الهــدى   بالنـــور
ونحن  نعلـم  أن  السجـن  منزلنـــــا
حتى ندُك  حصون  الإفك  والــزور
ونحن  نعلم  أن  الموت  موردُنــــــا
نلقــاه  فى  الله  فى  بشـرٍ  وتكبيــــر
جـردّ  حُسامـك  فالميــدان  مفتقـــــد
سيفاُ  يُضيئ  به  فى  كف  نحريـــر
والحقْ بقومك، أسرعْ، إنهم سبقــــوا
وخذ  مكانك  فى  ركب  المغاويـــر

- ويقول فى قصيدة ألقاها فى حفل أقيم بنادى ضباط الجيش، فى عام 1946، لتكريم ضابط شجاع من ضباط الجيش، هو الأميرالاى سليمان عبد الواحد سُبل، كان قد عَصى أمراً من أمور الفساد الملكى، فأْحيل إلى الاستيداع، كطريقة لطرده من الجيش.
- يقول:

ما  للوجوم  علا  الوجوه   وشاعــــــا
وتطيرتْ  تلك  القلـوبُ  شُعاعـــــــا
حتى   كأن   القــــوم  أول    مــــــرة
شهدوا جهاد المخلصين  مُضاعــا
إن   اختــلاف  الــرأى  فيمــا   بيننــــا
قد  ضيّع  الحق  المبين  فضاعــــا
من لى بمن  يُرضى  النفوس  جميعهــا
ويُصحح  الأحداث  والأوضاعــــا
من لى بمن عرف الطريق إلى الهُــدى
يلقى  على  هذا  الطريق  شعاعـــا
..
هــون  عليـك  أخـى،   فـإن  جهادنــــا
فى  الله  لا  نرجو  الحياة  متاعــــا
إنا   وهبنـــا    للجهـــــاد    نفوسنــــــا
لا نبتغــى   رُتبــاُ  ولا  أطماعـــــا
والمؤمنــون   المخلصــون   يزيدهـــم
ظـُلم  الحوادث  شـدة  وصراعـــــا
..
يا صاحــب  القلــب  الكبيــر  تحيــــــةً
فلقد  بدأت،  ولا  أقــول  وداعـــــا
حُـررت  من  قيـد  الوظيفـة  فانطلـــق
حُراً،  وأطلــقْ  للكفـاح  شراعـــــا
عــارُ  الوظيفـة  أن  نُضــام  بهــــا إذا
كنا  الرجـالَ،  ولم  نكن  اتباعــــــا
ونفــوسُ  أهـل  الحــق  تأبى  حــــــرةً
وكريمــة  أن  تُشتــرى  وتباعـــــا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)سمى يوسف حفيده "الصديق الثالث"، إشارة إلى ما لاقاه جد الشاعر يوسف صديق الأكبر، الذى استشهد فى موقعة كردفان بالسودان إبان الثورة المهدية، ثم ما لاقاه أبوه اليوزباشى منصور صديق من اضطهاد الانجليز له حتى مات شاباً، وأخيراً إلى ما لاقاه الشاعر يوسف صديق من جحود ونكران.


وفى قصيدته الرائعة التى كتبها وهو فى منفاه بسويسرا سنة 1953، والتى سماها "من الجنة" - والتى تعرض فيها للخلاف الذى كان قائما بينه وبين مجلس قيادة الثورة، حول قضية الديموقراطية، يقول:

حسناء لوزان ترعانى على الجَبــــــلِ
جاءت  تداوى  فكانت  عِلة العلــلِ (1)
فى ثغرها من رحيق السحر بارقـــــة
تكــاد    تقتلنى   شوقــا   الى  القبـــل
قد  حرمته  علينا  وهى  تعرضـــــــه
عرضا يثير فضول الطهر  والخجــل
(أيفون)  انى  غريب فى دياركمـــــو
وللغـريب  نــوال  القصــد  والأمــــل
انا من بلاد رواها  النيل فى  كــــــرم
وفى  وفـاء  كساهـا   اجمـل  الحلـــل
فيها الجمال وفيها السحر من  قـــدم
كم اوقعت فى شراك الحب من بطــل
بشوشة  فى  وجوه  الضيف  تسعدهم
فيها  الحيــاة   وتبكى   كل   مرتَحِــل
حتى لقـد ظـن بعض الغافلين  بهــــــا
ســوء  الظنون  وقالوا أن تَطِب تُنــل
واستدرجتهم  قواهم  فى  مُروءتهــــا
إلى   فتاها  (نجيبٍ)   عَزّ  من  رجل
فقام  فى  صحبه  والليل  يستُرهــــــم
والحقُّ   يرشدهم  فى عزمة  الرُســل
وكنتُ  فى  يــده   كالسهـم   اطلقنــى
أدُّك   صرحهـم   فيهــا  فلــم   أُطِــل
الحق  فى  جانبى  والظالمـون  هُــــمُ
والله   ينصر  أهل  الحق   فى  الجَلل
وأصبح  القومُ  حَيرى لا  نصيرَ  لهم
فقال:  هيا  أخرجـوا منهـا على عجِـل
فإن  أبيتــم   فان  السيــف   محتكــــمَ
بينى  وبينكمــو  فى   أقــرب  الأجـل
ورْحت أجمع  شمل  الناس  فى  حَذرٍ
وفى   وفـاءٍ  وأدعوهــم  إلى  العمــل
فقــال  قــوم   كفانــا  الله   شرهمــــو
هذا  مريب   وقد  يدعـو  الى  خطــل
فارسِلـــوه    بعيـــداً    لا   يهددنـــــا
وشتتــوا  صحبـه  فى   كل  معتقــــل
فأبعدونـى  إليكــم،  ألــف   معــــذرةٍ
لأهل  مصـرٍ  وان هم  شوهـوا عملى
...
يا أخت  إنى  شهيـــد  جئت  جنتكـــم
هل فى الجنان  يداوى الداء  بالشُعَــلِ
أجَر الشهيد  سالت الحُسن  فى  ولــهٍ
وفى  الجنـان  نعيــمُ  غيــر  مبتــــذل
لا تحرمينى   رضابــا  فى  عذوبتــه
شئ  من  النيل  فى طيف  من الأمــل
يا مصر إنى ونار الشوق  تفتك  بــى
على  البِعــاد لأدرى  أن  حُبـك  لـــى
فمن  فتاك  الذى  إن   سل  صارمــه
حلّ  القضاء  به  فى  أبرع  الحيـــل؟
إن  الجـــــلاء  الـذى   تبغينـه   أربُ
ينال  بالسيف  لا يرجى  من  الـــدول
فـلا  يغرنَّك  وعـــــدُ  لا  وفــاء  لــه
كم فى خصومك من لؤمٍ ومن مُطَــــلِ
لسـوف  يأتيــك  يــوم  تهتفيـــن  بــه
يا  للرجال  وأين  اليـوم  لى رَجُلــــى
لبيـــــك  يـا  أم  إنى  غيــر  مبتعــــد
الا   لأكفيـك  شـر  الدَس  والدجـــــل
أنا  الوفـى الــذى  لــم   يثنـه   دمــــه
ينسابُ من صدره عن يومك الحفل (2)
لم  يكفنى  شرفاً  أن  كنت  شاهـــــده
بل  كنت  فيه  فتى  فتيانـه  الأول  (3)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 (1)  لوزان - فى سويسرا.
(2) إشارة إلى إصابته بنزيف فى الرئة اليسرى وأنه كان ممنوعاً من الحركة بأمر الأطباء، ورغم ذلك فقد خرج إلى المعسكر، وقاد قواته ليلة 23 يوليو، وأنجح الثورة.
(3) إشارة إلى ما قام به ليلة الثورة، وهو الدور الرئيسى بها، ولولاه ما نجحت الثورة.


- وأخيراً فإننا نورد هنا آخر قصيدة قالها يوسف صديق، وهى قصيدة دمعة على البطل، وهى فى رثاء المرحوم جمال عبد الناصر، قائد ثورة يوليو، والذى كان قريبا من قلب يوسف صديق، رغم ما كان بينهما من خلاف. وقد كتب يوسف هذه القصيدة وهو فى موسكو، حيث كان يعالج من مرض السرطان، وكان قد أصابه الحزن الشديد على موت عبد الناصر، فقطع علاجه وعاد إلى مصر.
- قال:
أبا  الثوار  هل  سامحت   دمعــى
يفيض  وصوت  نعيك  ملء  سمعــى
وكنــا    قــد   تعاهدنـا    قديمـــــا
على   ترك  الدمـــوع   لــذات  روع
وإن  الخطب   يُحسم   بالتصــدى
لهول  الخطب   فى  سيـــــف  ودرع
ولكــن  زلـزل  الأركــان   منـــى
وهـز  تماسُكى  من  جـــــــاء   ينعـى
نعاك  وأنت  ملء  الأرض  سعيـاً
وذكـــرك  قائـــــــم   فى  كل   ربــع
بكتك  عيون أهل  الأرض  حولى
فكيف  أصون  بين   الناس   دمعـــى
....
قضيت  شهيـد  وحدتنـا   تقـــــوى
روابطهــا  وتجبـــــر  كل  صــــــدع
فما  للعُـرب  فى  الدنيا   مكـــــانُ
بغيـر    تماســـــك   وبغيـر  جمـــــع
رسمت لنا الطريق وسوف نمضى
على  هذا  الطريق  بغير  رجع
سنمضى  فى  طريــق  الحق  حتــى
نطهــر  من  ثرانـــــا  كل  صقـــع
وللعـمـــال    بالعـمـــــــال    نبنـــى
ونصنع  بالمصانـــع  خير  صُنـــع
وللفــــلاح    بالفـــــــلاح    نـــروى
صحارينـا  ونـــــزرع  خير  زرع
ففــى  العمـــال   والفــــــلاح   درعُ
لثـورات  الشعــــــوب  واى   درع
جـــــزاك  الله  عنـــــــا   كل  خيـــر
ورواك  الرضـــــا  من  كل  نبـــع

- نحو إقامة تمثال للبطل:
ولا يفوتنى وأنا أنهى هذا الحديث عن يوسف صديق، مناضلاً ثورياً، وشاعراً مظلوماً، أن أعرُج بالحديث إلى واقعة هامة تتصل به، وتتصل بى فى نفس الوقت، وهى أن أسرة يوسف، ومنها زوجتى سهير، قد عرفت بعد موته أن وزارتى الدفاع، والثقافة، قد أقامتا فى المتحف الحربى بالقلعة، قاعة لثورة يوليو، وضعت فيها تماثيل نصفية لجميع أعضاء مجلس قيادة الثورة، ما عدا يوسف صديق، وعبد المنعم أمين: وتقدمت الأسرة إلى ادارة المتحف الحربى، وإلى وزارتى الدفاع والثقافة، بتظلم من هذا الوضع، الذى يتضمن إجحافاً بيوسف، وانكاراً لدوره فى الثورة، كأمتداد لما تعرض له فى حياته من اجحاف واضطهاد. ولكن لم تستجب الوزارتان للتظلم، ولا للمساعى المتواصلة من جانب الأسرة، برفع هذا الإجحاف، وبإقامة تمثال ليوسف، أسوة بزملائه الآخرين، أعضاء مجلس قيادة الثورة.
وأخيراً، وبعد اليأس من الاستجابة الودية لهذا المسعى، قررت أنا - كمحام، أن ألجأ إلى القضاء لإزالة هذا الاجحاف، ولإجبار السلطة على التزام جانب الحق، والمبادرة إلى إقامة التمثال. وقد كان.
- رفعت دعوى أمام محكمة القضاء الإدارى بمجلس الدولة، بطلب إلزام الحكومة بإقامة التمثال، وقد آثار رفع هذه الدعوى التى كان لها صدى فى الرأى العام، ردود أفعال مختلفة، البعض تندّر عليها، بحجة أن مثل هذا الأمر لا تصلح فيه إقامة دعوى، والبعض، بتأييد رفع الدعوى ومساندتها.
- المهم أن الدعوى استمرت لمدة تقرب من عشر سنوات، عانيت فيها الأمرين من المتاعب - ومن الآلاعيب القضائية والمغالطات، وصلت إلى حد انكار دور يوسف فى الثورة، بل وانكار وجوده فى الجيش، بل وإلى إنكار أنه كان هناك شخص اسمه يوسف صديق أصلاً.
- ولكن صوت الحق والعدل، ما لبث أن علا بمجئ الحق وزهوق الباطل، فأصدرت محكمة القضاء الإدارى - برئاسة مستشار عظيم هو المستشار فاروق شعث، حكماً تاريخياً بإلزام الحكومة بإقامة التمثال.
وحاولت الحكومة المماطلة فى الرضوخ للحكم، فتأيد الحكم أمام المحكمة الإدارية العليا، ثم فى مرحلة التنفيذ، إلى أن رضخت الحكومة فى النهاية تماماً.
- وأخيراً أقيم التمثال فعلاً، وهو الآن يحتل مكانه فى صدر القاعة المخصصة لثورة يوليو بالمتحف الحربى.
- وجدير بالذكر، أن المرحوم عبد المنعم أمين، عضو مجلس قيادة الثورة، قد استفاد من هذا الحكم، إذ اضطرت الحكومة إلى إقامة تمثال له هو الآخر، فى ذلك المتحف وذلك بعد وفاته بسنوات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق