الفصل العاشر: فى مدح النبى عليه الصلاة والسلام



عن قصيدة البردة – للإمام البوصيرى: (1)
- وقعت فى غرام قصيدة البردة فى مدح رسول الله صلى الله عليه وسلم، منذ قرأتها لأول مرة فى أيام شبابى، فقد راعتنى بقوتها وجمالها، وحرارتها، والروح العذبة التى تسودها، وبالمعانى الصادقة مع روعة التصوير والتعبير التى استلهمها مؤلفها، الشاعر الكبير الإمام البوصيرى، من حبه العظيم للنبى الكريم – صلى الله عليه وسلم، فجاءت الفاظه دقيقة بديعة السبك والنظم، وتميزت بالحرارة والقوة والرصانه.
- وقد أجمع معظم الباحثين على أن هذه القصيدة من أفضل وأعجب قصائد المدح النبوى، إن لم تكن أفضلها، حتى قيل إنها أشهر قصيدة مدح فى الشعر العربى بين العامة والخاصة.
- وقد انتشرت هذه القصيدة فى البلاد الإسلامية يقرأها بعض المسلمين فى معظم بلاد الإسلام كل ليلة جمعة، وأقاموا لها مجالس تسمى بمجالس البردة الشريفة، أو مجالس الصلاة على النبى عليه الصلاة والسلام. وليس من القليل أن تنفد هذه القصيدة بسحرها الأخاذ إلى مختلف الأقطار الإسلامية، وأن يكون الحرص على تلاوتها وحفظها من وسائل التقرب إلى الله عز وجل، وإلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
- ويقول الدكتور زكى مبارك، الكاتب والأستاذ الكبير، إن البوصيرى - بهذه البردة هو الأستاذ الأعظم لجماهير المسلمين، ولقصيدته أثر فى تعليمهم الأدب والتاريخ والأخلاق.
- وفى مصر - كانت مواكب الجنازات تسير فى هذه المواكب، وفى مقدمتها مجموعة من المنشدين ينشدون أجزاء من القصيدة، تبركاً بها، واستعانة بها على الوصول بالمشيعين إلى درجة عالية من الحزن والشجن، والتسامى الروحانى.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)  هو الإمام شرف الدين أبى أحمد عبد الله محمد البوصيرى، الذى ولد ونشأ فى بوصير التابعة لبلدة دلاص بمديرية بنى سويف – فى القرن السابع الهجرى، وبالمناسبة فالإمام البوصيرى بلدياتى – إذ أننى ولدت ونشأت فى قرية زاوية المصلوب التابعة لمركز الواسطى محافظة بنى سويف.



- وقد أقام أهل الاسكندرية مسجداً كبيراً بميدان أبو العباس، بأسم البوصيرى تمجيداً لبردته، وإحياءً لذكراه.
- وقد كنت ومازلت أحفظ أجزاء كثيرة من هذه القصيدة، أنشدها لنفسى كلما أردت أن أدخل فى حالة الشجن - الشعرى والدينى، وكلما أردت كتابة الشعر، والوصول إلى حالة الجيشان العاطفى والوجدانى التى تعيننى على ذلك، كما أننى اتخذت من بعض أبيات القصيدة مدخلاً لإنشاء قصيدتى المسماه "دمع على طلل"(1) ،التى كتبتها فى رثاء الاتحاد السوفييتى، بعد سقوطه وانهياره.
- ولقصيدة البردة قصة هامة تروى عن ظروف كتابتها، إذ أن البوصيرى كان قد أصيب بمرض عضال، عانى منه سنوات وسنوات، ولم يبرأ منه إلا عندما زاره الرسول الكريم فى المنام، وتعطف عليه وملس على جسمه المريض، عند ذلك نهض البوصيرى من نومه وقد شفى من مرضه تماماً، وعادت إليه عافيته، فقام البوصيرى وانخرط فى كتابة هذه القصيدة الرائعة، تحية للرسول الكريم، وشكراً له على فضله وكرمه.
- وقد ألهمت هذه القصيدة شعراء كثيرين فأنشأوا قصائد عديدة على نهجها، كان أشهرهم أمير الشعراء أحمد شوقى، الذى كتب قصيدة سماها نهج البردة غنت المطربة العظيمة أم كلثوم مقاطع منها.
- كما كتب الشاعر محمد توفيق على - والدى - قصيدة مطولة أخرى على نسق قصيدة البوصيرى ونهجها، ولكنه لم يطلق عليها اسم نهج البردة - بل أطلق عليها اسماً آخر - هو "الميمية النبوية".
وكان كعب بن زهير ابن الشاعر الجاهلى الكبير - زهير بن أبى سلمى، قد كتب قصيدة هامة فى مدح الرسول الكريم، سميت بقصيدة "بانت سعاد"، وهو مطلع القصيدة ولكنها سميت بعد ذلك قصيدة البردة. ذلك أن كعباً كان قد كتب شعراً تعرض فيه بسوء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم. فغضب الرسول عليه، وتوعده بالعقاب، وعلم كعب بذلك وتملكه الخوف والندم، فكتب قصيدة مطولة يمدح فيها الرسول ويعتذر إليه ويعلن فيها اسلامه، وذهب إلى الرسول فى المدينة المنورة، فأنشد قصيدة "بانت سعاد" بين يديه فعفا الرسول الكريم عنه، وقبل اعتذاره، وأعجب بالقصيدة، وتعبيراً عن كل ذلك خلع الرسول بردته، وخلعها على كعب، فسميت القصيدة بذلك، بقصيدة البردة، إلى جانب أنها كانت مسماة أيضاً بقصيدة "بانت سعاد".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)     وهى أكبر قصيدة فى ديوانى المسمى باسمها "دمع على طلل".



- وأما أنا ففقد كتبت أنا أيضاً قصيدة مطولة فى مدح الرسول الكريم، ولكنها لم تكن على نهج البردة ولا على نسقها، بل كان لها نسقها وطابعها الخاص، ولذلك سميتها - فى نجوى الرسول. وكان لهذه القصيدة قصة هى الأخرى، ذلك إنى كنت أمر بفترة من أصعب فترات حياتى، إذ كنت هارباً مشرداً على أثر اتهامى بالمشاركة فى انتفاضة 18 ، 19 يناير 1977، وكان قد مضى على فى حياة التشرد هذه عامان وثلاثة أشهر، حتى بلغت الروح الحلقوم، وكنت أقرأ فى تلك الأوقات كتاب السيرة النبوية لابن هشام، وكتباً أخرى منها حياة محمد للدكتور محمد حسين هيكل، وكنت منغمساً فى السيرة العطرة للرسول الكريم. وفى هذه الظروف وجدتنى أتجه إلى كتابة قصيدة فى مدح الرسول، وكتبتها.
وما أن كتبت القصيدة حتى تبدلت الأحوال من حولى، وانهمرت على شـآبيب الرحمة والرضوان، بعد أيام من كتابتى للقصيدة تلقيت خطاباً من صديقى المرحوم الأستاذ سعد كامل، ليبلغنى فيه بأن الأستاذ عبد الرحمن الشرقاوى قد قابل المرحوم الرئيس أنور السادات، وحدثه عنى، وعن الظروف التى مرت بى، وأن السادات قد تأثر بذلك حتى اغروقت عيناه بالدموع، وطلب من الشرقاوى أن يتصل بى فى مخبأى ويبلغنى برغبة السادات فى مقابلتى، وبالفعل جرى الاتصال، وانتهى الأمر بتحديد موعد لهذا اللقاء، بعد يومين. وفى الموعد ذهبت - بصحبة الشرقاوى فقابلت السادات فى استراحته بالقناطر الخيرية، وكان لقاءً عجيباً كتبت أنا عنه فى كتابى "أيام أخرى" كما كتب عنه كتاب آخرون، المهم أن اللقاء انتهى بصدور أمر من السادات، إلى جهات الأمن بالكف عن ملاحقتى، وبعودتى إلى بيتى وأسرتى. وقد حدث. وفى أيام انتهت محنتى، بفضل الله تعالى، وببركة رسوله الكريم الذى مد إلىّ يد العون والنجدة، ورد على تحيتى له بأحسن منها، وبفضل هذه القصيدة المبروكة.
.....
وها أنا أورد مقتطفات من هذه القصائد الرائعة فى مدح الرسول الكريم - وذلك على النحو التالى:
1- من قصيدة البردة للإمام البوصيرى:

أمِنْ  تَــذَكِّرِ   جيرانٍ   بــذي    سَــلَمِ
مَزَجْتَ دَمعــا جرى مِن مُقلَةٍ   بِدَمِ
أَم هَبَّتِ الريحُ  مِن  تلقــاءِ   كــاظِمَةٍ
وأينعَ البرقُ  في الزوراء مِن اِضَمِ
فـما  لِعَينـيك  اِن  قُلتَ   اكْفُفَـا  هَمَـتَا
وما لقلبِكَ  اِن  قلتَ   اسـتَفِقْ  يَهِــمِ
أيحَســب  الصَبُّ  أنَّ  الحبَّ  مُنكَتِــمٌ
ما  بينَ منسَــجِمٍ   منه  ومُضْطَـرِمِ
لولا الهوى لم  تُرِقْ دمعا على  طَلِلِ
ولا   أَرِقْتَ  لِــذِكْرِ  البـانِ   والعَلَـمِ
فكيفَ  تكتمُ   حباً   بعدمـا   شَــهِدَتْ
به  عليـك  عُدولُ   الدمـعِ  والسَّـقَمِ
وأثبَتَ الـوَجْدُ  خَـطَّي عَبْرَةٍ  وضَـنَى
مثلَ  البَهَـارِ على  خَدَّيـك   والعَنَـمِ
نَعَم سـرى طيفُ مَن أهـوى  فأَرَّقَنِي
والحُبُّ   يعتَـرِضُ  اللـذاتِ   بالأَلَـمِ

يــا لائِمي في الهوى العُذْرِيِّ  مَعـذرَةً
مِنِّي  اليـك  ولَو  أنْصَفْـتَ  لَم  تَلُـمِ
عَدَتْـــكَ   حالي   لا  سِـرِّي   بمُسْـتَتِرٍ
عن  الوُشــاةِ  ولا  دائي   بمُنحَسِــمِ
مَحَّضْتَنِي النُّصْحَ  لكِنْ  لَسـتُ  أسمَعُهُ
اِنَّ  المُحِبَّ عَنِ  العُــذَّالِ في صَمَـمِ
اِنِّي اتَّهَمْتُ  نصيحَ  الشَّـيْبِ  فِي  عَذَلٍ
والشَّـيْبُ أبعَـدُ  في نُصْحٍ عَنِ  التُّهَمِ
فـانَّ   أمَّارَتِي   بالسـوءِ  مــا  اتَّعَظَت
مِن  جهلِـهَا  بنذير الشَّـيْبِ  والهَـرَمِ
ولا أعَــدَّتْ  مِنَ  الفِعلِ  الجميلِ  قِرَى
ضَيفٍ  أَلَـمَّ  برأسـي  غيرَ  مُحتشِـمِ
لــو  كنتُ  أعلـمُ   أنِّي   مــا   أُوَقِّــرُهُ
كتمتُ  سِـرَّا  بَــدَا  لي  منه  بالكَتَمِ
مَن  لي  بِرَدِّ  جِمَــاح  مِن  غَوَايتِهَـــا
كما  يُرَدُّ  جِمَاَحُ   الخيــلِ   بالُّلُـجُمِ
فـلا تَرُمْ  بالمعاصي  كَسْـرَ  شـهوَتهَـا
اِنَّ   الطعـامَ   يُقوِّي  شــهوةَ   النَّهِمِ
والنَّفسُ كَالطّفلِ إِنْ  تُرضِعه شَبَّ عَلَى
حُبِّ  الرّضَاع  وَإِنْ  تَفْطِمْهُ  ينفطمِ
فاصْرِف  هواهــا  وحاذِر  أَن  تُوَلِّيَـهُ
اِنَّ  الهوى مـا تَـوَلَّى  يُصْمِ أو يَصِمِ
كَـم   حسَّــنَتْ   لَــذَّةً   للمــرءِ   قاتِلَـةً
مِن حيثُ لم  يَدْرِ أَنَّ السُّمَّ في الدَّسَـمِ
واستَفرِغِ الدمعَ  مِن عينٍ  قَـدِ  امْتَلأتْ
مِن  المَحَـارِمِ  والْزَمْ  حِميَـةَ  النَّـدَمِ
وخالِفِ النفسَ  والشيطانَ  واعصِهِـمَا
واِنْ همـا  مَحَّضَـاكَ  النُصحَ  فاتَّهِـمِ
ولا تُطِعْ  منهما  خصمَـا  ولا  حكَمَــا
فأنت  تعرفُ  كيـدَ الخَصمِ والحَكَـمِ
ما سامَنِي الدَّهرُ ضيمَاً واسـتَجَرتُ بِهِ
اِلا  ونِــلتُ  جِـوَارَاً  منه  لم  يُـضَمِ
ولا  التَمســتُ غِنَى  الدَّارَيْنِ  مِن  يَـدِهِ
اِلا استَلَمتُ النَّدَى مِن  خيرِ  مُسـتَلَمِ
لا  تُنكِـــرِ الوَحْيَ  مِن  رُؤيَـاهُ  اِنَّ  لَهُ
قَلْبَاً  اِذا  نــامَتِ  العينـانِ  لم  يَنَـــمِ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)     - ذى سلم، كاظمة، الزوراء – أماكن فى الأرض المقدسة.


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

2- وعن قصيدة نهج البردة لشوقى:
افتتن شوقى بقصيدة البردة للبوصيرى، وامتلأت نفسه بمعانيها وما يشيع فيها من الروح الشاعرية والنسج الوجدانى، فاتجه إلى إنشاء قصيدة على نهجها، ومن حيث الشكل، أى من حيث الوزن والقافية، ومن حيث الموضوع، حرارة العاطفة، وجمال الأسلوب، والنهج الوجدانى. وقد نفى فى القصيدة نفسها أن يُفسر اتجاهه هذا على أنه يقصد معارضة الإمام البوصيرى فى تلك القصيدة، فقال فى نفى هذا الظن، وفى الإشادة بالبوصيرى وجلالة قدره:
المادحون   وأرباب   الهوى   تبعُ
لصاحب  البردة   الفيحاء   ذى  القدم
مديحه  لك  حبُ  خالص   وهوى
وصادقُ   الحُب  يُملى  صادق   الكلم
الله    يشهد    أنى   لا    أعارضه
من ذا يعارض صَوب العارض العرم
وإنما أنا  بعض   الغابطين   ومن
يغبط   وليــك  لم   يذمم    ولم   يلـــم
هذا  مقام   من   الرحمن   مقتَبسُ
ترمــى   مهابتُه    سحبــان   بالبكـــم

ومن قصيدة نهج البردة لشوقى:
ريمٌ عـلى القاعِ  بيـن  البـانِ   والعلَمِ
أَحَلّ  سـفْكَ  دمي  في  الأَشهر الحُرُمِ
رمى القضـاءُ   بعيْني  جُـؤذَر  أَسدًا
يـا ساكنَ   القاعِ،  أَدرِكْ  ساكن الأَجمِ
لمــا رَنــا  حــدّثتني   النفسُ   قائلـةً
يا وَيْحَ  جنبِكَ، بالسهم المُصيب رُمِي
جحدته،  وكتمت السهمَ  فـي   كبدي
جُـرْحُ  الأَحبـة عنـدي غـيرُ  ذي  أَلـمِ
يـا لائـمي  في  هواه  والهوى   قدَرٌ
لـو شـفَّك  الوجـدُ  لـم  تَعـذِل  ولم  تلُمِ
لقــد  أَنلْتُــك  أُذْنًــا   غـيــر  واعيـةٍ
ورُبَّ  منتصـتٍ والقلـبُ  فـي  صَمـمِ
يا ناعس الطَّرْفِ لاذقْتَ الهوى  أَبدًا
أَسهرْتَ  مُضناك في حفظِ  الهوى فنمِ
أَفْـديك إِلفاً، ولا آلـو  الخيـالَ  فِـدًى
أَغـراك  بـالبخلِ مَـن  أَغـراه  بـالكرمِ
...
صــلاحُ أَمـرِك  للأَخلاقِ   مرجِعُـه
فقـــوِّم   النفسَ  بالأَخـــلاقِ  تستقــــمِ
والنفسُ من  خيرِها  في  خيرِ  عافيةٍ
والنفسُ   من شرها  فـي  مَرْتَعٍ  وَخِمِ
إِنْ جَـلَّ ذَنبي عـن الغُفـران لي   أَملٌ
فـي  اللهِ  يجـعلني  فـي خـيرِ مُعتصَمِ
أُلقـي رجـائي إِذا عـزَّ  المُجـيرُ  على
مُفرِّج  الكـرب  في  الـدارينِ  والغُمَمِ
إِذا خــفضتُ   جَنــاحَ   الـذُّلِّ   أَسـأَله
عِـزَّ  الشفاعةِ  لـم  أَسـأَل  سـوى  أَمَمِ
وإِن  تقـــدّم  ذو   تقــوى   بصالحــةٍ
قــدّمتُ    بيــن   يديـه  عَـبْرَةَ   النـدَمِ
...
محــمدٌ   صفـوةُ   البـاري،  ورحمتُـه
وبغيَـةُ   الله   مـن  خَـلْقٍ  ومـن  نَسَـمِ
...
ونـودِيَ   اقـرأْ   تعـالى   اللهُ   قائلُهــا
لـم  تتصـلْ  قبـل  مَـن  قيلـتْ  له  بفمِ
هنــاك   أَذَّنَ    للرحــمنِ    فــامتلأَت
أَســماعُ   مكَّــةَ  مِـن   قُدسـيّة  النَّغـمِ
 
وقد أبلى شوقى أحسن البلاء فى قصيدته الباهرة، فجاءت فى مستوى رفيع، ولكن تظل قصيدة البوصيرى هى القمة التى لا تُبلغ ولا تُنال، ويظل جمالها ووهجها نفحة من نفحات السماء.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
3- وعن ميمية الشاعر محمد توفيق على - والدى:
- وهى أيضاً قصيدة مفرطة الطول، ولذلك فإننى سأكتفى بتقديم بعض المقتطفات منها.
وذلك على النحو التالى:

طيفٌ  سَرىَ فشفى  صَباً  من  السَقَم
سّرى  الهموم  وجلَّى  حالكَ  الظُلَــم
متممُ  الخَلق  من  حسنٍ  من  عجـب
مُكَمّل  النور  من  عِلـمٍ  ومن  حِكــم
....

أرنــو  إليـه   فتصبينــى   مناظـــره
فأخفض الطرف إجلالاً لذى العِظـم(1)
فى  موقـف  بكمـال  الحُسن  متشــحٍ
بالطهر  مؤتزرٍ  بالصدق   معتصـــم
حتى  إذا  سكنت نفسى  سَموت  لــه
أرعى  الجمال  وأخشى زَلة   القـــدم
لا  أكذِب الوصفَ  بدُر  الِتمِّ   يعشقه
والشمس رأد الضُحى من أطوع الخَدم
وأين  للبــدر  منه   سِحْــرُ  مُكتمــل
وأيـن   للشمــس  منـه  دُر   مبتســـم؟
يا لين  راحتِـه،  لا  الزهر  مَلمسُهــا
ولا  الدمِقـسُ ولا  مـا  شئت من  نِعَــمِ
قبلتُهــا  وشـــذاه  الروضُ   ينفحنــى
وفــوه   يُسمعنى  من  أعـذب   النغــم
يدُلـــى  إلىّ   بســـرٍ   من   مَحبتنـــا
قُدسِ  الصحيفة  فى  حرزٍ  عن  التُهم
...
يا لا ئمى أنّ دمعى فى  الغرام جرى
أقصر  فدمعى  قليلٌ  فى  الهوى ودمى
دمعى وشعرى  معاً  من منبع  جريا
فى  الحُبّ  منسجماً  فى  إثر  منسجــم
لولا  الغـــرامُ  ولـولا  ما  يُطالعنــى
من  البدائــع  لـم  أعشــق  ولم   أهِـــم
تدعــو  المحاســنُ   بـادٍ   ومستتـــرٍ
له   المحبيــن   من   بــاكٍ   ومبتســـم
لو جَنةُ  الخُلد  لى  من  وجهه  بــدَلُ
لا أشتريها  بما  فى  القلب  من  ضرم
أو  أن  صَبـا  يُعير  النُصـحَ  واعيـة
لم  تُلفنى  عن  نذير الشيب  فى  صمم
...
يـا ويـحَ  نفسىّ  كم  كلفتهـا   شططـاً
شرخ  الشباب ولم  أخشع  لدى  الهِرم
وشاب فَودى  وظلت  فى  طفولتهــا
تـرعى   وترتـع  فى  مُستوبـل  وَخِــم
توبى  لربك واخشى  هَولَ  غَضبتـه
وعانقــى   سُنّـة  المختــار  والتزمــى
هل  نـال  رتبتـه  الهـادى  وســؤدَدَه
إلا   بادمانـه   صَبـــراً   على   الآلـــم
وبالهوا  جـر  يَطوبهــا  على   ظَمــأٍ
وبالدياجـــر    يُحييهـــا    على    وَرَم
...
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)   يذكر هنا المنام الذى رأى فيه الرسول الكريم، وما حصل فيه، كما يصف الرسول الكريم نفسه، من واقع رؤيته له.

كانت تلك هى المقدمة العاطفية للقصيدة، ثم تأتى بعدها باقى القصيدة وهى كلها تروى – فى قالب تسجيلى وقائع جهاد الرسول فى سبيل نشر الدعوة والذود عنها.
- وقد أرى أنها قصيدة جميلة بالفعل، تشترك مع قصيدة شوقى فى مزايا كثيرة، ولكنها تختلف عنها فى العديد من السمات، فهى تدخل إلى موضوعها من مدخل مختلف، هو رواية قصة المنام الذى رأى فيه الرسول الكريم، ثم ينتقل من ذلك إلى وصف مدى حبه له، ثم يمضى بعد ذلك إلى سرد وقائع جهاد الرسول فى سبيل نُصرة دين الله.
وفى القصيدة من العذوبة والسلاسة، ما قد يزيد عما قى قصيدة شوقى، ولكنه أيضاً لا يرقى فى مستواه إلى مستوى بردة البوصيرى.
4- عن قصيدة كعب بن زهير - بانت سعاد - أو البردة:
- ومن قصيدة البردة، أو بانت سعاد، لكعب بن زهير بن أبى سلمى، نقدم هذه الأبيات التى تدل على أنها قصيدة مدح عادية، وتختلف كل الاختلاف فى الشكل والمضمون، عن قصيدة البوصيرى، ومن ثم عن قصيدتى شوقى وتوفيق.
- مقتطفات من قصيدة كعب بن زهير – قصيدة بانت سعاد، المسماه أيضاً بالبردة:
يقول:
بانَت  سُعادُ   فَقَلبي   اليَومَ   مَتبــولُ
مُتَيَّمٌ    إِثرَهــا   لَم    يُفـدَ    مَكبــولُ
وَما  سُعادُ  غَداةَ   البَينِ   إِذ   رَحَلوا
إِلّا  أَغَنُّ  غَضيضُ  الطَرفِ مَكحولُ
...
أُنبِئتُ   أَنَّ   رَسولَ   اللَهِ   أَوعَدَنــي
وَالعَفُوُ  عِندَ   رَسولِ   اللَهِ   مَأمــولُ
وقـد  أتيت  رسـول   الله   معتـــذراً
والعُذر   عند   رسول  الله   مقبــول
مَهلاً  هَداكَ   الَّذي   أَعطاكَ   نافِلَـةَ
القُـرآنِ  فيها   مَواعيظٌ   وَتَفصيـــلُ
لا  تَأَخُذَنّي   بِأَقـوالِ   الوُشاةِ   وَلَــم
أُذِنب   وَلَو  كَثُـرَت   فىّ  الأَقاويــلُ
...
إِنَّ   الرَسولَ   لَنورٌ   يُستَضاءُ   بِـهِ
مُهَنَّدٌ  مِن   سُيـــوفِ   اللَهِ   مَسلــولُ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
5- أما أنا فمدحت الرسول الكريم بقصيدة اسمها "فى نجوى الرسول"، وهى قصيدة لا علاقة لها بقصائد البردة، لا فى الاسم ولا فى الشكل، ولا فى الأسلوب، بل هى مختلفة عن تلك القصائد، ومستقله عنها كل الاستقلال، ولها طابعها الخاص.
وذلك كما يتبن من المقتطفات الآتية:
- مقتطفات من قصيدة "فى نجوى الرسول": (1)
فى   شذا   نجواك   تنهلُّ   المدامــعْ
وتَــذوب   النفــسُ   من   أشواقهــا
ويظلُّ  الطرفُ  يهمى  وهو  خاشـع
من  وميض  الشمس  فى  إشراقها
.....
يقصُر   الشِعــرُ   ويرتجُّ   اللســــان
كلمـا   حاولت   أن   أسمو  لذاتــك
يا   رســول   الله   أعيانى   البيـــان
فأعرنــى    نفحـةً    من   نفحاتــك
.....
يا  يتيماً   لم   يـذق   طعم   الحنــانْ
وفقيــراً   قـد    جفــاه   المترفــون
فغـــدا   للنــاسِ   فى   كل   زمــان
الأَبَ   المعطــاءَ   والأَم  الحنـــونْ
.....

دوحـةٌ   تمتــد   بالظــل   الظليــــلْ
للحيارى  ..  والأَسارى  ..  والعفـاه
والمساكيــنَ   ..   وأبنــاءِ  السبيــل
وضحايا  العيش   فى  ظل  الطُغـاه
.....
قلبك   الرحبُ  الذى  ضمَّ   الخليقـه
صاغـه   الرحمــنُ    من   رحْمتِــهِ
وهـــداه   نحـو   أنـــوار   الحقيقــه
بشُعـــاعٍ    من    سنـــــا    حكمتِــهِ
.....
رحمـةٌ   تُهــدى   لكـل   الكائنـــاتْ
وخِــلالٌ   كالظـــلالٍ   الوارفــــاتْ
وربيـــعٌ   من    حنـــانٍ    غامــــرٍ
تتجلــى    فيـه    كل   المكرمــــات
.....
ومن   الرحمة   بــذلٌ    وعطـــــاءْ
ومن   الرحمـة    عــدلٌ   وإخــــاء
ومن   الرحمة   سيــفٌ    قاطـــــعٌ
يمحقُ   الظلـمَ   ويحمى   الضعفـاء

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)   من ديوان: ما بعد الحب.



تلك كانت مقتطفات من قصيدة البردة الرائعة، ومن قصائد أخرى قيلت فى مدح الرسول الكريم، وإنى إذ أقدمها لا أقصد فقط إلى استنزال الرحمات والبركات الماثلة فيها، ولكن أيضاً إلى استحضار عظمتها وجمالها، كشعرٍ من أروع آيات الشعر العربى.
ــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق